ظهرت المشاكل البيئية المتباينة في الأزمنة الأخيرة وتصاعدت آثارها مع تزايد التطور الاقتصادي في شتى المجالات، ما جعل الإنسان يدرك خطورتها على صحته وصحة الكائنات الحية، لتتعالى أصوات محذرة من مصير الحياة على الكرة الأرضية و التوازن الطبيعي، وتصبح حماية البيئة اليوم من المشاريع المهمة لدى مختلف دول العالم بما فيها الجزائر التي انخرطت منذ سنين في الجهود الإقليمية والدولية التي تسعى لمكافحة التغيرات المناخية. وخصصت لها موارد بشرية ومالية معتبرة، كما سنّت لها نصوصا من خلال إرساء آليات قانونية كفيلة بحمايتها إدراكا منها بان الحفاظ على بالبيئة يعني حماية التنمية الاقتصادية وتوفير العيش الكريم الذي يؤدي إلى تحقيق السعادة بين أفراد المجتمع. مستغانم واحدة من الأقاليم الجزائرية العديدة التي عانت عواقب الانفجار السكاني والتلوث البيئي برّا وبحرا، لكنها تعد من المناطق القليلة التي تسعى لمكافحة المخاطر التي تهدد البيئة سواء بسلطاتها المحلية أو الجهات الوصية أو الجمعيات الفاعلة أو حتى بمبادرات تطوعية من سكانها فردا وجماعة. وهو ما يحدث على ارض الواقع في الفترات الأخيرة، ما حوّل الولاية إلى أشبه بورشة لإصلاح ما أفسده الغير. فالحملات الخاصة باستئصال النقاط السوداء أضحت تتكرر في كل أسبوع و في مختلف الأماكن رغم ذلك تبقى العملية بحاجة إلى المزيد من الجهود ولو أنها أتت ببعض النتائج الطيبة. إنشاء مراكز للردم واقتناء حاويات وشاحنات نظافة متطورة إذا تحدثنا عن جهود السلطات المحلية وقطاع البيئة بمستغانم، فإننا نشير إلى بعض الانجازات التي سجلت على الميدان منها إطلاق مشروع لفرز النفايات والذي يعمل على استرجاع وتدوير عدة مواد قابلة للتصدير كالبلاستيك والزجاج، فيما تستعمل المواد العضوية في إنتاج الأسمدة. كما تم إنجاز 4 مراكز ردم في بلديات عين سيدي شريف، الطواهرية، سيدي علي . إلى جانب إنجاز الحوض الثاني لمركز الردم بمنطقة أولاد بوراس ببلدية السور بعد انتهاء صلاحية الحوض الأول. ويساهم هذا المشروع في إزالة الروائح الكريهة من هذه المنطقة من خلال اللجوء إلى ضخ المياه من الأحواض كحل استثنائي في حال تأخر الفرز، لمنع أي مصدر قد يزعج السكان الذين عانوا لسنوات عدة من انتشار الروائح الكريهة من مراكز الردم. في سياق ذي صلة، أبرمت السلطات الولائية اتفاقية مع شركات أجنبية مختصة في تسيير النفايات ، حيث حلّ بموجبها خبراء من بلجيكا وعاينوا الوضع ببعض مناطق عاصمة الولاية. كما اشرفوا على تلقين الإطارات الجزائرية بعض الأساليب الحديثة في تسيير النفايات من اجل المحافظة على البيئة بشكل فعال. إلى جانب هذا، فان ما قام به المسئولون في الآونة الأخيرة لقي استحسان المجتمع المستغانمي وهو الشروع في استعمال حاويات مثبتة على الأرض لمكافحة النقاط السوداء بالمنطقة والاستغناء عن الحاويات الحديدية الكبيرة التي أصبحت لا تحقق الأهداف المرجوة. وكذا القضاء على ظاهرة "النباشين" في القمامة. ناهيك عن اقتناء شاحنات نظافة عصرية تحتوي على مكانس آلية تقوم بتنظيف الطرقات بأسلوب جد فعال كالتي نراها في أوروبا. في انتظار تعميم التجربة على باقي البلديات. كما تولي مديرية البيئة بمستغانم، أهمية قصوى لقضية توعية السكان من خلال تنظيم قافلات وحملات تحسيسية لفائدة الناشئة لتوعيتها بقواعد احترام البيئة وكيفية الحفاظ على سلامتها عبر فصل وتصنيف النفايات قبل رميها في الحاويات، إلى جانب تشجيع مختلف المبادرات الرامية إلى الاحتفاظ بالبيئة وتكريم أصحابها بجوائز قيمة مثلما فعلت مع متربصي التكوين المهني لبلدية حاسي ماماش وهم من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين حولوا بعض النفايات العضوية إلى أسمدة . غرس 5000 شجيرة من أجل ولاية خضراء الجمعيات النشطة في مجال المحافظة على البيئة كثيرة العدد بالولاية وإن اختلفت نشاطاتها فان هدفها واحد وهو تنقية المحيط برّا و بحرا من الملوثات والعديد منها نظم قافلات تحسيسية جابت مختلف البلديات من اجل توعية المجتمع المدني بضرورة المحافظة على نظافة المحيط . كما ساهمت جمعيات أخرى في الحملات التطوعية المتبناة من السلطات المحلية و التي شارك فيها عناصر الدرك الوطني والمتمثلة في غرس الأشجار في مختلف بلديات الولاية و العملية ترمي إلى مضاعفة المساحات الخضراء وتوسيع رقعتها من اجل تحقيق توازن بيئي بالمنطقة والرفع من معدل الرطوبة بها و خصّص في هذا الإطار ما لا يقل عن 5000 شجيرة من مختلف الأصناف على غرار الصنوبر الحلبي و الكاليتوس.. إلى جانب أشجار تزيينية أخرى من اجل غرس مساحات معتبرة موزعة عبر عديد الأحياء الكبرى بالمدينة . وأشار احد أفراد جمعية حماية البيئة إلى دور المواطن في العملية من خلال ضرورة تبني وترسيخ ثقافة التشجير من أجل الحفاظ على البيئة وتوسيع الرقعة الخضراء ما سيمكن من إعادة إحياء النظام البيئي من جهة والذي أصبح يعرف تدهورا "كبيرا" بسبب الجفاف خاصة على مستوى الأحياء التي لا تزال تشكو من نقص الأشجار ودعم الغطاء النباتي بالمنطقة من جهة أخرى. بحيث ستكون بمثابة فضاءات لسكان مستغانم وحتى بلدياتها وكذا مستعملي الطرق للنزهة والترويح عن النفس والترفيه والتسلية. شباب يحوّلون محيط حي 220 سكن من مزبلة إلى حديقة سكان بعض أحياء مستغانم سجلوا حضورهم هم أيضا ضمن المشاركين في الحفاظ على البيئة من خلال المبادرات الموصوفة بالقيّمة و التي نالت استحسان المجتمع المدني لاسيما محبي الركن الأخضر ، حيث في هذا الإطار بادر شباب و صغار يقطنون بحي 220 سكن بسيدي عثمان و بالتعاون مع جمعية "الوردة البيضاء" و بمساهمة بلدية صيادة التي دعمت العملية بالعتاد تم تنظيف هذا الحي من كل النفايات التي كانت متراكمة به في عمل جماعي متكامل دام لعدة ساعات و انتهى بغرس 100 نبتة من مختلف الأصناف و قد تحوّل الحي بين عشية و ضحاها من مكان ينفر منه الجميع بفعل الأوساخ إلى موقع جذاب و مريح جدا . و هي العملية التي كان الهدف منها توعية مختلف سكان الأحياء بضرورة المساهمة في تنظيف الأماكن و جعلها منبعا للسعادة و الرفاهية. حملات لإزالة النفايات من الرمال وأعماق البحار موسم الاصطياف هذه السنة بمستغانم مرّ في ظروف يمكن اعتبارها بالجيدة على مستوى ال 34 شاطئا مسموح بالشريط الساحلي للولاية رغم بعض العراقيل التي واجهت المصطافين والتي كانت اغلبها معزولة، حيث توافد أكثر من 16 مليون زائر إلى مختلف مناطق مستغانم للاستجمام بشواطئها الخلابة والتي شهدت حملات تطوعية كثيفة لتنظيفها من النفايات الصلبة كالقارورات والأكياس البلاستيكية والتي وصل مداها إلى قاع البحار، حيث جندت السلطات المحلية وبعض الجمعيات المختصة في الغوص أعوانها وأفرادها لتنقية الرمال من الشوائب والبحار من المرميات في عملية مسّت عدة شواطئ ك الوريعة وصابلات والحجاج وعين براهيم والتي ظهرت في صورة لاقت رضا المصطافين ولو أن شواطئ أخرى استفادت من حملات تنظيف لكن بعض المواطنين عديمي الضمير تسببوا في تدنيسها مجددا مثل شاطئ "لاكريك" ببلدية مستغانم. عجوز تعطي درسا في تنظيف المحيط لا ينكر جاحد ما يفعله عمال النظافة التابعين لمختلف البلديات والذين يعملون صباحا ومساءا على جمع النفايات المنزلية ونقلها عبر الشاحنات في عملية تتطلب صبرا وإرادة كبيرتين، فهم ينقلون يوميا مئات الأطنان من القاذورات متحملين روائحها الكريهة و ما تسببه من أمراض مزمنة رغم ذلك فهم لا يسلمون من العتاب و اللوم من قبل فئة من الناس في حال لم يقوموا بالمهمة على أكمل وجه بسبب أو لآخر. في الماضي كان أجدادنا يحترمون هؤلاء العمال ويشفقون عليهم حتى أن الجميع يتذكر سخاء بعض العائلات على هؤلاء العمال الذين كانوا يقدمون لهم القهوة والحلويات عندما يمرّون بمنازلهم وهم يجرون عرباتهم لتنظيف الشوارع، لكن الحال اليوم تغير وأصبح عمال النظافة الذين يساهمون في الحفاظ على البيئة مجرد أناس يقومون بعملهم لا غير. غير أن ما شدّ الانتباه في احد أحياء مستغانم هو إقدام عجوز على حمل المكنسة والشروع في تنظيف الشارع في جرأة أثرت كثيرا في نفوس السكان، حيث لم يقم بها لا شباب ولا كهول ولا رجال. ويبدو أن هذه العجوز و كما يقولون بالعامية "كلاها قلبها" عندما رأت الأوساخ متناثرة في الطريق ودون أن يتحرك الناس لإزالتها، شمرت على سواعديها وقامت بعمل وصف بالمبهر والفريد من نوعه والذي تقاعس عنه الأصحاء وكأنها كانت من خلال ذلك، تعطي لهم درسا في النظافة التي لا تشترط أعمارا معينة. المقطع.. موطن الطيور المهاجرة وتنوع بيولوجي نادر تعد المنطقة الرطبة المقطع الواقعة بتراب بلدية فرناكة بولاية مستغانم أحد أكبر الحظائر الوطنية مساحة على المستوى الوطني، حيث تقدر ب 23 ألف هكتار وتحتوي على أربعة أنظمة بيئية معقدة وهي بحري وبحيري و كثباني وغابي متمثلة في سهوب ومستنقعات ومسطحات مائية. ما جعلها تصنف ضمن اتفاقية "رامسار". إذ تكمن مهمتها الأساسية للحظيرة في المحافظة على التنوع البيولوجي الذي تزخر به وتثمين الموارد الطبيعية والتراث الثقافي، باعتبارها منطقة عبور للعديد من الطيور المهاجرة المائية والبرية بحثا عن ظروف مناخية أكثر ملائمة. وفي هذا الإطار تم إحصاء أكثر من 20 ألف طائر مهاجر من 28 صنفا منها طيور نادرة لم يسبق وأن شوهد مثل هذا العدد الكبير منذ أزيد من 20 سنة كطائر الغرة و«الشهرمان" والبط الصفار والنورس الفضي والبط أبو ملعقة وغيرها حسب مصدر من محافظة الغابات والذي أكد أن هذه المحمية تتمتع بنظام بيئي فريد ومتميز وهو ما اكتشفه الخبراء الأوروبيون الذين زاروا المنطقة . ولتثمين هذا التنوع البيولوجي والمحافظة عليه، أقدمت السلطات المحلية على تهيئة الممرات والمسالك الحراجية وإنشاء أحزمة خضراء على حواف المنطقة وإنجاز أبراج للملاحظة ومراقبة الطيور المهاجرة. وشارك في هذه المبادرة إلى جانب المحافظة الولائية للغابات وباحثين وجمعيات محلية مختصة في البيئة.