بمناسبة اليوم الوطني للصحافة, سيتوقف العديد من الإعلاميين عند مختلف المحطات التي مر بها الإعلام في الجزائر, وهي محطات غنية بالمعطيات الرقمية والمعلومات التاريخية التي تعطي صورة شبه كاملة عن مراحل تطور قطاع الإعلام في الجزائر وعلاقاته بمختلف فعاليات المجتمع و مؤسسات السلطة خلال العقود الثلاثة الماضية في ظل التعددية الإعلامية , و لا شك أن مثل هذا الاستعراض التاريخي لمسار الصحافة الوطنية كلما حلت مواعيد الاحتفاء بها , يعد ضرورة لتذكير المطلعين عليه و إطلاع غيرهم, غير أن التوقف عند هذا الحد يعد إجحافا في حق تاريخ صحافتنا , الذي يبقى في حاجة إلى تشريح دقيق من طرف الخبراء و المنظرين في الإعلام أو في التخصصات المتعلقة به, من أجل الشروع بأسرع ما يمكن في وضع نظرية مستقلة للإعلام الجزائري تضع أسسا سليمة لبناء منظومة إعلامية جزائرية التوجه وطنية الأهداف , نظرية تعيد للصحافة وظائفها الإعلامية التربوية الثقافية السياسية الأخلاقية الاجتماعية و جميع القيم الوطنية التي أملت ضرورة إقرار يوم وطني للصحافة الوطنية . إن البلاد في عهد شيوع المعلومة في حاجة إلى منظومة إعلامية تعيد للصحافة تأثيرها الإيجابي حتى عندما تركز على الجوانب السلبية , و تعيد للدولة هيبتها حتى و هي تكيل لها ألذع الانتقادات , و تعيد للوطنية مكانتها حتى و هي توجه عتابها للوطنيين المشهود لهم بالوطنية . إن فوضى الإعلام و تسلط الأخبار الزائفة , يفرضان على المهنيين دعم أي مجهود لبناء منظومة إعلامية تخلصنا بأسرع ما يمكن من إعلام ينهل من فضاء الشائعات و يكثفها و ينشرها عبر القارات, بحيث أضحت قراءة شريط شائعات في فضائية واحدة تغنيك عن متابعة بقية الفضائيات. لذا أصبحنا اليوم في حاجة إلى من يرقى بالصحافة بمختلف وسائطها , إلى طور آخر, طور النجاعة والفعالية , و هو طور لن يبنيه سوى الخبراء الأثرياء بالتجارب الميدانية المتنوعة في ميادين الإعلام و تخصصاته. فمساهمة هؤلاء الخبراء في التدريس في الجامعة , وتكوين إعلاميي الغد على أسس سليمة ,و مشاركتهم في إثراء المكتبة الجزائرية بمؤلفات في مجالات تخصصاتهم , و كتابة مذكراتهم الشخصية والعلمية , كل ذلك جهد مشكور مفيد , و لكن العمل على إرساء دعائم منظومة إعلامية جديدة تواكب مستجدات العصر وتتوفر على قابلية لمسايرة ما يستجد من تطورات, لا يقل أهمية عن بقية المساهمات . فإنشاء وسائل إعلامية مثالية ذات مصداقية داخليا وخارجيا, أو تأسيس مراكز مختلفة متخصصة لسبر الآراء على أسس علمية, أو مراصد تقنية لتقييم أداء هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك, أو تأسيس أي منظمة أو هيئة تتولى الدفاع عن حقوق هذا المتعامل أو ذاك في الحقل الإعلامي ,و ما شابه ذلك من مبادرات, ما زالت الساحة الإعلامية في أمس الحاجة إليها, والتي لا غنى عنها لإقامة المنظومة الإعلامية البديلة التي ينشدها الجميع ' لأنها تخدم الجميع, وتشكل خط الدفاع الأول عن الجزائر وعن الجزائريين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ولغاتهم أيضا, وتساهم في الحد من الأضرار والأخطار التي تسبب فيها الويب وخاصة من حيث الاعتداء على خصوصيات الناس, وافتقار ما ينشر عبره إلى المصداقية والقواعد المهنية والأخلاقية, وغيرها من المساوئ التي تنتظر تدخل الخبراء لمعالجتها ...