النخب الجامعية هي الصفوة المالكة للعلم والمعرفة والمنتجة للفكر والثقافة والتي بامكانها توجيه العمل السياسي وإعداد الإطارات القادرة على تحمل المسؤولية وتولي شؤون الدولة وذلك من خلال التعليم والتكوين والتأليف و التحليل والنقد واقتراح الحلول للمشاكل القائمة في مختلف المجالات فهي الطبقة العارفة والمهيمنة والاكثر تميزا وحضورا وتأثيرا في المجتمع وتسمى «الأنتلجنسيا» في الفكر الماركسي و تتكون من المثقف العضوي عند غرامشي والمفكر النقدي عند سارتر ونيتشه والمثقف صاحب الرسالة عند إدوارد سعيد ويقول عنها جوليان بندا أنها تضم أصحاب المواهب والاخلاق الرفيعة الذين يشكلون ضمير البشرية فيعارضون الفساد ويدافعون عن المستضعفين بالوقوف في وجه الظلم والاستبداد تدفعهم مبادئهم السامية الى فضح الفساد وتحدي السلطة ويقول عنهم المفكر الامريكي نعوم تشومسكي انهم مسؤولون عن قول الحقيقة وكشف الاكاذيب بينما يعتبرهم المفكر المغربي محمد عابد الجابري انهم الفئة الواعية المتميزة بموضوعية التفكير ووضوح الرؤية والقدرة على التحليل و التفكير المنطقي وتصحيح الصورة في وعي الجماهير ورسم الطريق الصحيح لها. وقد اهتم هؤلاء المفكرون بنخبة المثقفين بصفة عامة وومن ضمنها النخبة الجامعية التي تحتل مكانة رائدة في المجتمعات المتطورة والدول الكبرى وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالامريكية التي تبني سياستها الداخلية والخارجية على آراء وافكار مستشاريها الذين يحتلون مراكز مرموقة في الجامعات ومراكز البحث والدراسات الاستراتيجية الذين يرسمون لها معالم سياستها مثل الامريكي من اصل ياباني العالم والفيلسوف والمفكر الاستاذ الجامعي فوكوياما صاحب كتاب نهاية التاريخ والانسان الاخير الصادر سنة 1992 أي بعد سقوط الشيوعية في اوربا الشرقية وتفكك الاتحاد السوفياتي فاعتبر ذلك انتصارا للراسمالية الغربية وان الديمقراطية ستكون الشكل الغالب في دول العالم وتتويج امريكا قطبا وحيدا للعالم فراحت امريكا تتصرف كقوة عظمى وحيدة وفي السنة الموالية (1993) اصدر المفكر الامريكي الصهيوني صموئيل هنتغتون كتاب صراع الحضارات الذي اثار جدلا كبيرا وسط منظري السياسة الدولية وادعى أن الاسلام سيكون عدوا لامريكا التي أخذت أفكاره بجد ووضعتها حيز التطبيق فاختلقت قضية الحرب على الارهاب واسلحة الدمار الشامل في العراق وقامت باحتلال افغانستانوالعراق وتدخلت عسكريا في سورية واليمن وليبيا وفتحت السجون والمعتقلات السرية في غوانتنامو وكابول وابوغريب وقد كان هنتجتون استاذا في جامعة هارفارد الامريكية ومخططا امنيا في ادارة الرئيس جيمي كارتر ورئيسا لمراكز دراسات استراتيجية ومشاركا في اصدار مجلة فورين بوليسي ولا ننس المستشرق الصهيوني برنار لويس الذي دعا الى اعادة تجزئة وتقسيم الدول العربية واحتلال العراق وهو المخطط الذي يجري تنفيذه تحت تسمية ثورات الربيع العربي التي أوقد نارها الفيلسوف الفرنسي الصهيوني برنار ليفي «عراب الثورات العربية» . ومن هنا نرى ان النخب الجامعية ليست بمنعزل عن العمل السياسي في العالم وغالبا ما يبادر رؤساء الدول الغربية بالقاء الخطب داخل الجامعات التي يأخذون منها افكارهم . أما عندنا فالجامعة أحيانا لا تشارك في صناعة الفكر السياسي ولا تستشار في ذلك فهي عبارة عن جزر منعزلة والذي يخرج منها لا يعود اليها فالطبقة السياسية عندنا ترى نفسها فوق النخب الجامعية والثقافية ولا تحتاج الى مشورتها والقليل من الاستاذة يشاركون في الحياة السياسية عبر وسائل الاعلام مثل عبد العزيز بن طرمول ومحمد سليم قلالة وخالد سعد الله ومحمد فراد وناصر جابي ومحمد يعقوبي بكتابة مقالات او المشاركة في حصص اذاعية وتلفزيونية وانخراطهم في الاحزاب السياسية قليل وعند ترشحهم للانتخابات التشريعية ترفض ملفاتهم أو يرتبون في ذيل قوائم المترشحين التي يرأسها الذين لاعلم لهم ولا معرفة. فقد ترشح صديقي د محمد الطيب وهو استاذ جامعي ومديرجهوي سابق للوكالة الوطنية للتشغيل في التشريعيات السابقة في قائمة جبهة التحرير بولاية الشلف ونشط حصصا تلفزيونية وتجمعات شعبية خلال الحملة الانتخابية وخرج خاوي الوفاض... فالسياسة تمارس بطريقة بدائية مبنية على الهف والولاء والجهوية ولا مجال فيها للعلم والمنطق وقديما قال أحد العارفين ( إذا جادلت العالم غلبته وإذا جادلت الجاهل غلبني ) ومن هنا نجد أن الجامعيين والمثقفين بصفة عامة يبتعدون عن السياسة لشعورهم بعدم التقدير لكفاءاتهم أو احترام مكانتهم العلمية لأن الاحزاب السياسية يسيطر عليها انصاف المتعلمين في الغالب لذا نجد أن الخطاب السياسي عندنا ضعيف وفي تراجع مخيف لأن الطبقة السياسية لا تحتك بالنخب الجامعية ولا تطلع عما تنتجه فالجامعة الجزائرية شبه مغلقة لا تزورها شخصيات لتحاضر فيها من السلطة أو المعارضة والطلبة لا يتلقون تكوينا سياسيا مباشرا في الميدان فالتنظيمات النقابية لطلبة الجامعة تنحصر مطالبها واضراباتها الكثيرة في الغذاء والايواء والنقل والنقاط وضمان النجاح للجميع وقد كان للعشرية السودا ء دور كبير في انحسار النشاط السياسي بالجامعة نظرا للاغتيالات التي تعرض لها جامعيون ومثقفون الذي استهدف النخب المثقفة وارغم العديدعلى الهجرة واذا اردنا للحياة السياسية عندنا أن تتجدد وتنتعش فلابد من انفتاح الجامعة على المجتمع والمشاركة فيه بفعالية بدل التزام العزلة