يرى بعض المهتمين بالشأن المسرحي عندنا أن أبو الفنون الذي مر بفترة فراغ و تصحر من ناحية الإنتاج كما و نوعا خلال أكثر من عشرية بدأ يخرج من عنق الزجاجة ليؤسس لانطلاقة جديدة من شأنها أن تعيد المجد الذي ضاع بسبب الأزمة الأمنية التي عانت منها الجزائر خلال العشرية السوداء و التي دفع فيها المسرح على غرار باقي الفنون الثمن غاليا. لكن عين التفاؤل التي يرى بها المتفائلون بالولادة الجديدة إن صح التعبير للمسرح تبقى مرهونة حسب نظرهم بضرورة تضافر جهود الجميع ما دام أن الإرادة متوفرة حسبهم للخروج بالمسرح من نفق التخلف والارتقاء به لتحقيق الريادة و استعادة المكانة التي كان يحظى بها في المحافل الدولية. جميلة هذه النظرة الوردية لمستقبل أبي الفنون لكنها في نظري المتواضع تبقى هذه الاطروحة تحتاج إلى دعائم و إشارات تؤكدها ، و توضح معالمها ، وإلا فمن الممكن أن نعتبرها مجرد احتمالات نسجت من خيال و تخضع لرغبة فئة لا تملك سلطة القرار و ليس بمقدورها أن تغير أي شيء. فطالما أن ربان السفينة متمسك بوجهتها فلا أحد من الملاحين باستطاعته تغييرها، ما عدا ربما الرياح العاتية التي قد تجعل المركبة تتيه و تنحرف لوجهة لا يريدها لا الربان و لا الملاحون. و الحديث عن السفينة التائهة في المياه ينطبق تماما على حال المسرح عندنا حسب فئة أخرى من غير المتفائلين ، هؤلاء يرون أن المياه بدأت تغمر أبي الفنون و هو في طريقه إلى الغرق إن لم يجد من يأخذ بيده و ينتشله إلى اليابسة. و بعيدا عن هؤلاء و أولئك أقول أن حال المسرح عندنا لا يدعو للتفاؤل كما لا يدعو للتشاؤم ، فصحيح أنه لحد الساعة و مع احتراماتي لرجالات الفن و المثقفين لم تجود علينا الساحة الفنية بأسماء على شاكلة علولة، مجوبي و رويشد ، حسن الحساني و القائمة طويلة... و لا بأعمال ترقى إلى سمعتهم إلا القليل. و لكن إذا اعتبرنا أن المجد الذي صنعه هؤلاء هو لبنة في صرح مسرح لا يزال في طور البناء ، وإذا علمنا أن أوروبا العجوز استنفذت أكثر من قرن لتأسيس مسرحها ،فلا يعقل أن نستعجل استكمال بناء مسرحنا في 58 سنة و هو ظرف وجيز بالمقارنة مع ما استهلكته أوروبا. لكن إذا حضرت الإرادة في الرقي بالمسرح كما يراها المتفائلون فلا بد ان نراها في قرارات المسؤولين، و إذا تعذر اتخاذ القرارات لأسباب مادية أو أخرى ، فليكن قرار واحد يختصر في جرة قلم تضع المسرح داخل المدرسة ليصبح مادة تعليمية لا تقل أهمية عن مواد المنظومة التربوية. بهذه الطريقة فقط يمكن أن نأمن على تأسيس مسرح جزائري قوي و متألق.