سررت كثيرا هذه الأيام بكثافة الحديث عن المسرح في وسائل التواصل الإجتماعي من قبل الممارسين والدارسين وحتى من المحبين ، غير أن ما ساءني من بعض هذه الدردشات ، تحاملات أحسبها مجانية وحادة في حق فن المسرح قبل أن يقصد بها مؤلف أو مخرج أو ممثل أو سينوغراف بعينه .. حاولت في دخيلتي أن أبرر هذه الحملات من خلال ربطها بالسياق الاجتماعي العام ، وإرجاعها إلى التراجع البين في دعم المشاريع و التظاهرات الفنية والثقافية نتيجة سياسة التقشف التي طالت جوانب كثيرة من معيش المواطنين ومن ضمنهم المسرحيين والفنانين ، الذين أصبحوا يتنفسون من خلال المناسبات الثقافية والفنية الكبرى ، التي شكلت محطات لانتعاش مهن الفنون المختلفة واعتياش المهنيين .. لست أنتقد هنا من ينتقدون دورة المهرجان الوطني للمسرح المحترف ، كفعالية وطنية تقهقر مستواها الفني والتنظيمي ، ولست أقصد الحانقين على التسيير العشوائي لبعض المسارح الجهوية ، الذي أدى إلى استحالتها إلى قاعات عروض ، وماتت فيها المبادرات الخلاقة ، وهزلت نتاجاتها المسرحية بفعل انغلاقها على نفسها ، وعدم قدرتها على التجدد والانفتاح .. يبدو بجلاء إذن أنني لست أقصد أيا من المنتقدين ، غير أني أعاتبهم على صياغة نقودهم بشكل يسيء إليهم وإلى أسرة المسرح التي تمثل التربية الأخلاقية ديدنها ، وتربية الأذواق السليمة وسيلتها لإعداد المواطن الصالح تحسبا لاقتحام عوالم التمدن والتحضر .. إن استهلاك الوقت والجهد في السب والقدح ، لايحل عقد مسرحنا المنعقدة منذ عقود ، وكذلك التراشقات وتبادل التهم لن تؤدي إلا لمزيد من التشنجات والصد ، و إلى سحب المجتمع لثقته من أفراد أسرة المسرح المتطاحنين ، لأنه - ببساطة - اعتادهم متضامنين في المحن والإحن ، يتأسى بإنسانيتهم ، ويستكين إليهم وإلى إبداعاتهم لتسكين ألامه و أناته.. إن ظروف المجتمع المتعسرة نتيجة صروف الواقع العصيبة ، لتدعو كل ذي حس وإحساس إلى توجيه سليم لطاقاته ، واستثمار إمكاناته لرفد أبي الفنون في تهاويه الحر ، لأنه لا ماهية لأي فنان مسرحي بلا روح جميلة ، تهيم بلا كلل و لا ملل مع نظيراتها في دروب الحياة الوعرة ، تبذر المحبة والأمال ، وتنثر عطر الهنا والسلام ، وتتطلع إلى إشاعة جمال مستديم ، يعيل البائس واليائس والمقهور والمكلوم على تجاوز واقعه المزري ، وتأمل العيش في كنف عالم بديل إما ضرورة أو احتمالا .. هذه برأيي هي رسالة الفن التي يستوجب أن تكون نبراس وهاجس كل فنان حق ، يبذل نفسه وروحه لأجل إسناد و إمداد مجتمعه بإكسير التفاؤل و أمل محاكاة الحياة بروح جميلة تتأبى على هدر الوقت والطاقة ، واستغراق الفكر والإحساس حول مالا يزيد مسرحنا إلا انحسارا وانكسارا ...