أكيد هناك فارق كبير بين ماضي وحاضر المسرح الموجه للطفل في بلدنا الجزائر، فالانتقال الملحوظ بين غيابه الشبه الكلي عن المنظومة المسرحية بعد الاستقلال و تواجده المحتشم في سبعينيات القرن الماضي و حضوره المتذبذب في الوقت الراهن، يدل على وجود حركية على مستوى العروض المسرحية لا ينكرها إلا جاحد. لكنها تبقى جد محدودة كما و نوعا، ولا يمكن أن تكون مؤشرا إيجابيا لازدهاره مستقبلا. هذه المسيرة المتثاقلة الخطى بالرغم من أنها ماضية في الاتجاه الصحيح لكن الوتيرة التي تسير بها تجعلها متخلفة مهما ازدهرت ومتأخرة مهما تقدمت، فمجرد مقارنة بين بلدنا الجزائر وبعض دول الجوار تظهر فرقا شاسعا على مستوى الممارسة المسرحية الموجهة للأطفال التي خطت و لا تزال تسير بخطى عملاقة وصلت إلى تأسيس فعلي لمسرح الطفل كما هو الشأن في البلد الجار تونس على سبيل المثال. هذا البلد الذي نجح في ترقية مسرح الطفل و لم يكتف بالنوع المسرحي الذي يقدمه الكبار للصغار بل تجاوزه ليشرك الطفل في العملية الإبداعية ، أين أصبح بإمكان الأطفال اللعب الدرامي على خشبة المسرح ، و ليس الاكتفاء بدور المتفرج. هذه النوعية سمحت لمسرح الطفل بالجارة تونس بالانفتاح على العالم من خلال تأسيس مهرجان نيابوليس الدولي لمسرح الطفل . في الوقت الذي لا يزال أطفال الجزائر يكتفون بالجلوس على مقاعد المتفرجين كمجرد جمهور لعروض مسرحية تعد على الأصابع. و بالرغم من أن معالم الطريق التي انتهجها جيراننا للوصول إلى ما وصلوا إليه واضحة إلا أن الإرادة في اعتمادها من طرف المسؤولين على القطاعات المهتمة بالناشئة عندنا لا تزال غائبة، وكأنها اكتفت بما وصلت إليه جهود بعض الفاعلين الذين قاموا بمبادرات أحادية الجانب على غرار ما يقدمه المسرح الجهوي عبد القادر علولة من أعمال مميزة كما و نوعا في مسرح الكبار الموجه للأطفال ، و بعض المسارح العمومية الأخرى، أو بعض الجمعيات هنا و هناك، هذه الأخيرة يبقى تقييمها متضارب بين مؤيد و معارض لما تقدمه من أعمال وصفت في غالب الأحيان بالتهريج و السخافة. و في غياب إستراتيجية واضحة المعالم لثقافة الطفل التي من الضروري أن تساهم فيها كل القطاعات التي تعنى بهذه الفئة من المجتمع، تبقى الاستفادة من هذه الجهود المشتتة بعيدة المنال. طالما أن مسرح الطفل يبقى غائبا عن المنظومة التربوية و فضاءات التكوين في مسرح الطفل الموجه للطفل شبه منعدمة. و في غياب القرار المنشود و ما يليه من تشجيع و مرافقة لصناعة كتاب وممثلين ومخرجين متخصصين في هذا المجال، قد يتحول هذا التقدم البطيء في مسرح الطفل إلى تقهقر في مجال تربية الفرد في التواصل مع غيره ، لأن المدرسة الوحيدة الكفيلة بتعليم لغة الحوار و تكريس المواطنة ودمقرطة المجتمع هي المسرح، وإذا تغاضينا عن زرع هذه البذور الإنسانية في نفوس أطفالنا من خلال إدماج الفن الرابع داخل المناهج التربوية، فلنخشى أن يكون الغد علينا عوض أن يكون لنا.