لا تزال حالة الانسداد قائمة والغموض يخيم على المشهد السياسي في بلادنا، والأزمة تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، أمام إصرار الشارع على رحيل كل رموز النظام السابق وما تبقى من الباءات، بل وكل المحسوبين على منظومة الحكم البوتفليقي، التي يرى فيها المتظاهرون في المسيرات الشعبية الحاشدة والمتواصلة، مرادفا للفساد بكل أشكاله وألوانه، وبالتالي يستحيل أن يقبل هذا الشعب ببقائهم في السلطة، لأنه بكل بساطة لا يثق فيهم، كما أن وجودهم في المشهد السياسي يعني بالضرورة له، استمرار النظام السابق وامتداد له بطريقة أو بأخرى، في حين هو متمسك بالتغيير الجذري لا غير، وينادي بإحداث القطيعة مع عهد بوتفليقة وكل أتباعه وأذنابه. وأمام حالة الانسداد السياسي هذا، الذي تعذر الخروج منه حتى الآن، رغم الحلول المقترحة، سواء من بعض الفاعلين في الحراك، أو من قبل الأحزاب الموالية والمعارضة، أو الشخصيات الوطنية و الساسية بشكل عام، التي ترى أن المخرج الوحيد للأزمة السياسية التي تشهدها بلادنا اليوم، يكمن أساسا في الذهاب إلى مرحلة انتقالية، إلا أن هذا الحل أفرز بدوره حساسيات مفرطة حول الشخصيات الكفيلة بقيادتها، التي بقيت تتجاذبها الآراء والأفكار، بين مؤيد ومعارض حول أسماء بعينها ... وهو المقترح الذي ترفضه المؤسسة العسكرية جملة وتفصيلا، التي لا تزال متمسكة بورقة الانتخابات كحل للأزمة، وبين هذا وذاك بقي مصير البلاد معلقا بين الطرفين، المختلفين بخصوص المرحلة الانتقالية، والمتفقين حول الجلوس إلى طاولة الحوار، لبحث سبل وآليات لتجاوز الأزمة السياسية التي تمدد عمرها، وبالتالي الخروج بحلول ترضي جميع الأطراف. إن الملايين التي تخرج إلى الشارع كل أسبوع، لم تستطع أن تتخلص من الصورة النمطية التي باتت لصيقة بمؤسسات الدولة، و ترسخت لديها، بغض النظر عن طابعها ومجالها، فهي لا تزال تعتبرها خاضعة للنظام المنبوذ ولسان حاله لا غير، ولا يمكنها بأي حال من الأحوال الخروج عن طوعه، وبالتالي فإن مهمتها في نظر هذا الحراك الذي فجر ثورة 22 فبراير السلمية، وانتفض فيها ضد كل أشكال الفساد والظلم و الحقرة و الإهانة ، محصورة في خدمة النظام ليس إلا، وهي بذلك بعيدة كل البعد عن أداء خدمة عمومية ما دامت في قبضة الحكومة، لكن الشيء الأكيد و المتفق عليه، هو أن هذه الصورة الراسخة لدى عامة الشعب، لم تأت من العدم، بل إن النظام السابق حرص على تكريسها على مدار عقدين من الزمن، وبالتالي بات من الصعب التخلص منها بسهولة، ما لم يحدث التغيير الجذري وتكرس الديمقراطية الحقة التي يكالب بها كل الجزائريين ويرافعون من أجلها... وقتها يمكن لهذه الصورة أن تتلاشى كليا من الوجود، ودون جهد وأدنى عناء، وفي انتظار ذلك، لا أحد ينكر أن الجهود لا تزال مبذولة والمساعي متواصلة، والنية موجودة من أجل تصحيح هذه الصورة القبيحة، التي جعلتها منبوذة من قبل الشعب، والحرص لاستعادة الثقة المفقود بينه وبين مؤسسات عمومية لا حكومية، وجدت أصلا لتكون في خدمة هذا الشعب، ومطالبة باحترام رأيه وإرادته.