صنف خبراء الاقتصاد الجزائر ضمن خانة الدول الريعية بامتياز، لاعتمادها على الأموال التي تجنيها من تصديرها للبترول والغاز، المصدر الأساسي بل والوحيد لمداخيل الدولة من العملة الصعبة، وعليه فإن نشاطها الاقتصادي يتلخص في هذين الموردين ويتوقف عندهما، بمعنى أنه غير منتج للثروات، كم أن أي تقلبات لسعر المحروقات، ستنجر عنها هزات ارتدادية عنيفة على الاقتصاد الوطني، ويدخل البلاد في دوامة أزمة خانقة غير محمودة العواقب، وتبقى كل السيناريوهات محتملة في هذه الحالة.. لقد اشتدت حدة الأزمة الاقتصادية عقب تراجع أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة، وأثر ذلك سلبا على العباد والبلاد، التي باتت تكابد مشاكل صعبة بالجملة، اقتصادية واجتماعية، من خلال التهاب الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطن البسيط، الذي دفع مقابل ذلك فاتورة باهظة الثمن، في وقت سعى فيه النظام السابق وأسرف في تبديد وإهدار المال العام بلاحساب، وقد نتج عن ذلك بروز أثرياء جدد، تناموا كالطفيليات ونهبوا خزينة الدولة وأفرغوا أموالها في جيوبهم، بعد حصولهم على قروض ضخمة لا تعكس اطلاقا حجم مشاريعهم الشخصية، فكونوا ثروات خيالية بين عشية وضحاها ودون أدنى مجهود ... هذه هي الإنجازات الكبرى والثمار التي جنتها بلادنا من العهد البوتفليقي، فكل ما سعت منظومة الحكم السابق إلى تجسيده على أرض الواقع، هو تكريس دولة الفساد في أدق تفاصيلها، هذا هو البرنامج الوحيد الذي أرادت العصابة استكماله مع كل المهللين والمطبلين للعهدة الخامسة التي أسقطها الحراك الشعبي. ضرورة المحاسبة والشفافية فغياب المحاسبة والمساءلة والشفافية ساهم في تحويل أموال الدولة عن مسارها الصحيح، الذي عبدته سلطة الفساد لناهبي أموال الشعب، بتواطؤ مع الادارة المريضة هي الأخرى بالرشوة والنهب والسلب والامتيازات المبالغ فيها والتعسف والبيروقراطية والمحسوبية، وكلها أمراض خطيرة استفحلت وكبلت عجلة التنمية بمفهومها الشامل، فكيف لهذه البلاد أن تتحمل كل هذا الفساد الهائل، الذي نخر اقتصادها الغني وأضعف شعبها، فالفرق شاسع وجلي بين ريعها والمستوى المعيشي فيها، كيف لها أن تتعافى من الأضرار والخراب الذي ألحقه بها الفساد السياسي، الذي تسبب في ازمتها الإقتصادية والمالية رغم أنها رابع مصدر للغاز الطبيعي في العالم، وثالث منتج للنفط في إفريقيا. لقد كشف فتح ملفات الفساد أمر مصانع السيارات التي استحدثت خلال السنوات الأخيرة، وفضح زيف تصريحات وإدعاءات من حالوا إيهام الشعب من الوزراء والمسؤولين، بأننا إلتحقنا بركب الدول المصنعة للسيارات، وما هذه المصانع في حقيقة الأمر، إلا هياكل للتركيب بلا معنى ولا جدوى ... وللخروج من هذا الاقتصاد الريعي القائم على المحروقات، يرى الخبراء أن الحلول تكمن في تفعيل قطاع صناعي منتج للثروة خارج المحروقات، وتشجيع الاستثمار الناجع الذي يمتص البطالة، والحرص على تحقيق التوازن بين مختلف القطاعات، وكذا السهر على مباشرة إصلاحات جذرية وحقيقية وعميقة، وتطهيرها من الفساد المستشري فيها.