تعد المجموعة القصصية « دموع فوق سطوح الغربة « للكاتب عبد الحفيظ بن جلولي الصادرة عن منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين 2003 من القصص التي تناولت ظاهرة الاغتراب كصدمة ثقافية واجتماعية، ولا شك في أن ظاهرة الاغتراب تعد إحدى الظواهر البارزة التي تخلقت بصورة حميمية في رحم الفكر الحديث والمعاصر، ولاقت رواجا من كل الأطياف المتنوعة من نقاد ومفكرين وفلاسفة ومبدعين... كرؤيا للعالم ، وانعكست تجلياتها على نطاق واسع في رحاب الكتابات الأدبية والأعمال الإبداعية شعرا ونثرا ،ولعل ما يسترعي الانتباه من خلال محاورتنا للمتن الحكائي للقصة ؛ تتحدد قيمة الاغتراب في جوها العام كتيمة دياليكتيكية ملازمة للذات الإنسانية في منحناها الأنطولوجي الذي تتجاذبه جملة من التساؤلات، وعبر كلمات مشحونة عقليا ووجدانيا ضمن معجم طاف حب الدينامية ( الحيرة، التوتر،الإحباط،التطلع،الرغبة،الأحلام...) ويبرز هذا بجلاء فيقول السارد « أغسل مع صباحاتي عرقي المنتوح على جبيني التي تنادي، في الصباح و المساء،تنادي،في أشكال التوادد المفقودة على طول تربة الأوطان المهجورة... أغسل في صباحاتي قهري وكل تواريخي الممحاة من ذاكرة الفجر و الغرب « وقوله أيضا « الحلم ثورة دائمة ترد في شرائطه صور المثول أمام سياقات الغد...الإبهار يحقق المعبر من دائرة الحلم نحو فضاء المستقبل... الحقيقة تتربع إشراقات الإنسان فوق شفق الذات. الانهيار تجاوز الإشراق خلف خصوصية الحلم...» وليس من شك في أن الوظيفة الانفعالية انبثقت منها إشكالات جديدة ، والتيار تسمت معالمها في ظل الأزمة مما ولد « تجربة نفسية شعورية عند الفرد ، تتصف بعدم الرضا عن الأوضاع القائمة،ورفض الاتجاهات والقيم والأسس السائدة ، وينتج عن حالة الاغتراب نتائج سلوكية فعلية منها : الانسحاب من المجتمع ،أو الرضوخ له ظاهريا والنفور منه ضمنيا،أو التمرد والثورة عليه « على حد تعبير حليم بركات. كما تجدر الإشارة إلى أن النص السردي ينضوي تحت مظلة اللغة المجازية بانزياحاتها الدلالية وإمكاناتها التعبيرية وبناءاتها السردية التي تطالعنا في ثوب شفاف يروم إنزال الستار عن كل مسكوت عنه؛ باختراق حجب الواقع استنادا إلى مساءلة التشكيلات الخطابية التي لها علاقة بتيمة الحقيقة،وتظهر بشكل جلي من جهة الذوات الفاعلة والإرادات الواعية التي أضفت على البنية الاجتماعية اللامعيارية، ولن يتأتى هذا من منظور القاص إلا بواسطة الشروط الموضوعية التي توطن أواصر المحبة مع الكينونة داخل أفق البناء الاجتماعي الذي تعيش فيه؛ وذلك عبر استجلاء المشاهد والصور والأصوات التي تربعت على عرش الذاكرة ردحا من الزمن،وقد تجلت في إطاره العام عن طريق تلك الروح الاحتجاجية التي حفلت بالمشاعر والأحاسيس التي زاوجت بين الكآبة والفرح والحزن والسرور ، وعلى صعيد آخر، يتعلق الأمر بطبيعة الحال تغلغلا لذات داخل أفق حركة الوعي التاريخي بتقويض بنياته التحتية وأرضيته الصلبة التي يكون فيها الحضور الإيبيستمي يشكل قطبا لرحى في المجال التداولي في راهنيته، وهو ما يعني ،من جهة ثانية، أن هذا الأخير يؤثث لشرعية تأخذ طابعا رمزيا يذر الرماد على العيون من خلال تجاوز الجوانب المعقولية، ولهذا ألفينا الكاتب يركز على مسألة الماضي والتغني به بحثا عن العالم المفقود ،وعلى هذا النحو تتحدد خصوصية الأنا مع الآخر في أبعادها الأنطولوجيةّ ؛انطلاقا من الانتقال من كوجيط والحضور إلى كوجيط والغياب، والعمل على استنطاق الجوانب اللامفكر فيها بتعبير محمد أركون،و يتمظهر ذلك بالأساس ضمن المسعى الجدلي الذي يحاكم المعطيات الثقافية والإيديولوجية والحضارية، ومحصلة النشاط أن هذا الاسترجاع والاستدعاء الذي ارتبط ارتباطا لصيقا مع خيوط الحكي « لا يعني البتة الفصل بين الحاضر والماضي فصلا عضويا ،بل هما يتمفصلان، فيصبح سؤال الحاضر معناه استنطاق حوادث الماضي واستقرائها من أجل فهم الحاضر « بحسب تعبير عبدا لله عبد اللاوي. ومن الأمثلة التي نسوقها في هذا المجال ذكره لأحوال القصر من خلال رصد التحولات والتغيرات التي طالته على جميع الأصعدة، وفي هذا السياق يقول» العجوز خريف يتحدى كل الفصول،تتحرك،تتفقد أزقة القصر القديم تتحسس شقوق الجدران،تتحسر على الخراب الذي لحق الهياكل... تكتشف الوجه الآخر للمدينة التي تلد أشباحا تغزوها الواجهات المضاءة بزينة المصابيح ،تلفزات،آلات الكترونية،هوائيات « وعليه فقد شكلت هذه المجموعة القصصية في عموميتها تقديم رؤية تهدف إلى تعزيز مقومات الهوية؛بوصفها معيارا يراعي المظلة الكبرى للمبادئ والقيم من وجهة السلوك الأخلاقي والثقافي ،وليس باعتبارها تركيبة تدخل ضمن آليات البناء التاريخي المفتوح الذي يعلي من شأن الجوانب الذرائعية على مستوى الممارسة و التفكير.