أياد ممدودة في كل مكان ،عند عتبات المساجد ،داخل المقاهي والمطاعم ،على متن الحافلات وعربات الترام ،في الساحات العامة والشوارع الرئيسية والمقابر بل وصل الأمر بالبعض إلى طرق أبواب المنازل ...هذا يدعي المرض و ذاك لم يجد لقمة يسكت بها طبل بطنه وتلك جالسة تلتحف السواد وبجوارها كومة من الصبيان تلقنوا أساليب الاستعطاف واستجلاب الشفقة فتخرجوا من مدرسة الامتهان قبل الأوان ..."صدقة في سبيل الله" كم هي عظيمة هذه العبارة فكل حرف فيها يحمل من معاني التضامن والتلاحم والتآزر الكثير لكن للأسف الشديد و لفرط اجترارها في أفواه غمرتها الحيل والأكاذيب والأباطيل فقدت وقعها النبيل على النفس السوية . نعم هناك فقراء ومساكين بأعداد كبيرة اتسعت قائمتهم في الفترة الأخيرة مع موجة الغلاء التي أغرقت القدرة الشرائية في بحر متلاطم الحيرة و العجز لكن أن يتحول التسول إلى جريمة منظمة عابرة للحدود تؤطرها وتنفذها شبكات إجرامية توقع في شراكها العاجزين من النازحين أو من السكان المقيمين من الذين سلخوا حمرة الخجل وجفّفوا ماء الوجه في سبيل أن تحتضن الدنانير بعضها بعضا في مجمع أيديهم . إن التسول لم يعد ينظر إليه كظاهرة اجتماعية يتصدى علماء الاجتماع وأطباء النفس لتحليلها وشرحها بل أضحت آفة ذات طابع جنائي تستوجب استعمال مشرط الأمن لاستئصالها و مطرقة القضاء للقضاء على من يحرك خيوطها خاصة ما تعلق بملف النازحين الأفارقة الذين يتوزعون في المدن الكبرى وفق تنظيم محكم ويستوطنون الأماكن الأكثر حيوية كالأقطاب التجارية وفق دوام يبدأ من الساعات الأولى للصباح إلى غاية غروب الشمس و بطبيعة الحال يتقدم صفوف المتسولين الأطفال دون السادسة من العمر ...فأين تذهب الأموال المحصلة وفي أي جيب كبير تخزن و من دبر رحلة هذه الجحافل من المتسولين من أقصى الجنوب إلى منتهى الشمال... أسئلة ربما فلتت من فانوس ضبابية المشهد و عبثيته لكنها لا تحتاج إلى مارد للإجابة عليها وإنما مجرد إرادة سياسية تترجم إلى قرارات وإجراءات نافذة لمعالجة هذا الملف دون الإخلال بالتزامات الجزائر الدولية في المجالات الإنسانية.