سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عدم قدرة الأحزاب على بناء قاعدة نضالية وراء الخروج منها الدكتور كيلالي عواد أستاذ القانون العام بكلية الحقوق و العلوم السياسية جامعة بلعباس ل «الجمهورية»
@ الجمهورية: صحيح الحياة و الحيوية في المشهد الحزبي قضية مناضلين يؤمنون بالانتماء إلى التشكيلات السياسية ، لماذا يغيب هذا العنصر عن مناضلي و أحزاب الراهن الجزائري ؟ ^ كيلالي عواد : الوضع الراهن الذي تشهده الساحة السياسية في الجزائر يعرف نوعا من الهشاشة لم يسبق لها مثيل على مستوى الأحزاب السياسية، فرغم الكم الهائل من هذه الأحزاب إلا أن هذه الأخيرة ثبتت عجزها و عدم قدرتها على بناء قاعدة نضالية على مستوى فئات المجتمع، و هذا راجع لعدة اعتبارات أهمهما الممارسات التي كانت سائدة قبل الحراك الذي عرفته الجزائر و الذي أدى إلى تغيير الخارطة السياسية في الجزائر. فقبل الحراك وفي خضم النظام الانتخابي الذي كان سائدا و المعتمد أساسا على القائمة المغلقة، كانت المناصب في هذه القوائم تباع بمبالغ طائلة من طرف رؤساء الأحزاب، ولم يكن هناك اعتبار للنضال السياسي أو الكفاءة أو المستوى، فمعظم هذه الأحزاب عند إعداد القوائم التي ستدخل بها أي انتخابات سواء التشريعية أو محلية كانت تضع في المراتب الأولى أشخاصا أو مترشحين أغلبهم غرباء عن هذه الكتل الحزبية وتم جلبهم بحكم المقدرة المالية التي يحزونها، و هذا يكون على حساب المناضلين الحقيقيين لهذه الأحزاب الذين لهم فترة زمنية طويلة في النضال السياسي على مستواها، و بالتالي فإن هذه الممارسات أدت بشكل كبير إلى إضعاف القاعدة النضالية لهذه الأحزاب و عزوف باقي المواطنين إلى الانضمام إليها بسبب المحيط المتعفن الذي كانت تعيش فيه، كما أنهم يعرفون مسبقا أنه لا مجال لهم لتبوء مناصب قيادية في هذه الكتل الحزبية بسبب ضعف مقدرتهم المالية التي كانت شرطا لازما للحصول على المراتب الأولى في قوائم هذه الأحزاب، لكن يجب التنويه إلى أنه بعد قانون الانتخابات الجديد والذي هجر نظام القائمة المغلقة و اعتماده على القائمة المفتوحة مع التفضيل دون المزج واشتراطه نسب معينة للشباب و أصحاب الشهادات، عرفنا بعض الحركية على مستوى هذه الأحزاب في الانتخابات السابقة سواء التشريعية أو المحلية، إلا أنه ليس بالقدر الكافي أو المنشود إذ لابد كذلك من إعادة هيكلة هذه الأحزاب من جديد بالتزامن مع هذا النظام الجديد للانتخابات. @ هل للبيئة السياسية التي تنشط فيها الأحزاب الجزائرية دور و وقْع على ذلك ؟ ^ أكيد حيث قلنا سابقا أن المستنقع العفن الذي كانت تعيش فيه هذه الأحزاب و التصرفات المشينة لبعض القيادات الحزبية أثر كثيرا على القاعدة النضالية لها، و ما كنا نعرفه سابقا من تغيير لبعض المرشحين للأحزاب في كل استحقاق انتخابي لخير دليل على ذلك أي انعدام تام للولاء الحزبي فكل المترشحين يأملون في الحصول على مقاعد سواء في البرلمان أو المجالس المحلية، وهذا كان دائما على حساب الانتماء و النضال الحقيقي للحزب. الساحة السياسية مشبعة بالأحزاب لكن ذات الأحزاب تعاني خلال الانتخابات من عدم قدرتها على تحقيق كم هائل من الأصوات (و نعلم جيدا أنه سابقا كانت القاعدة النضالية للحزب هي التي تذهب الأولى إلى الاقتراع ، بمعني أن الحزب كان يصل بفضل قاعدته النضالية ثم يكمل ما تبقى من خلال الأصوات الأخرى من الشعب التي تزكي برنامجها @ لماذا صارت اليوم العضوية و لا أقول الانتماء مبنية على المصالح ؟ ^ قبل الحديث على عجز الأحزاب على تحقيق كم هائل من الأصوات، يجب أن نتطرق إلى نقطة مهمة وأعمق عن الطرح السابق، حيث أن معظم الأحزاب لم تقدر على تغطية كافة بلديات الوطن في الانتخابات الماضية خاصة المحلية منها، بسبب عجزها عن جمع التوقيعات التي أشترطها قانون الانتخابات، و بعض الأحزاب الأخرى عجزت حتى في جمع ملفات المترشحين في قوائمها لدخول هذه الانتخابات، و هذا راجع كذلك لعدة اعتبارات أهمها هو غياب إستراتيجية مدروسة لأغلب الأحزاب، فإذا كان الهدف الأساسي من إنشاء الأحزاب السياسية هو الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها كأضعف الإيمان، فإن ذلك لا يكون إلا من خلال جلب أو استعطاف أكبر قدر ممكن من الكتلة الناخبة، من خلال وضع برنامج سياسي، اقتصادي، واجتماعي طموح يضع الحلول لمختلف المشاكل التي يتخبط فيها المواطن في مختلف المجالات ووضع رؤى مستقبلية على المدى المتوسط أو الطويل للنهوض بالدولة من مختلف المجالات، إلا أن هذا الأمر غائب تماما عن هذه الأحزاب، فأغلب قادة هذه الأحزاب أبانت عن ضعفها في وضع هذه الإستراتيجيات و السمة الغالبة في خطاباتها هي الشعبوية المفرغة من أي رؤى مستقبلية، هذه الأمور هي التي كانت لها الدور الرئيسي في عدم قدرتها على الحصول على الكم الهائل من الأصوات كما تفضلتم سابقا في سؤالكم، بل الأكثر من ذلك أن حتى كتل مناضلين هذه الأحزاب بدأت تتآكل و تضعف من خلال استقالة أغلب مناضلي الأحزاب السياسية من الساحة بسبب التصرفات التي تأتيها أغلب القيادات الحزبية من خلال إقصاء المناضلين الحقيقيين لأحزابهم و تغليب المصالح الضيقة لهم على حساب المصالح العليا لأحزابهم. @ هل فشلت القيادات الحزبية في الإقناع بضرورة الانتماء و الإيمان بإيديولوجيتها تجاه مناضليها ؟، أم العيب في المتطفلين على الأحزاب لغاية يريدون إدراكها ؟ ^ كما سبق التطرق إليه أغلب القيادات الحزبية في الوقت الراهن أصبحت عاجزة حتى على إقناع مناضليها فما بالك إقناع الفئات الأخرى من المجتمع للانضمام إليها ومؤازرتها في مختلف الاستحقاقات الانتخابية، و هذا راجع لضعف الخطاب السياسي لهذه القيادات و عدم قدرتها على وضع البرامج السياسية الطموحة التي تستهوي المناضلين قبل الكتلة الناخبة، لهذا لابد على هذه القيادات من مراجعة حساباتها و الاهتمام أكثر بمناضليها و الابتعاد عن التصرفات السابقة التي أضرت بها و المتمثلة أساسا في جلب بعض الانتهازيين و أصحاب المصالح الضيقة و الاعتماد عليهم في الانتخابات ووضعهم في قوائمها على حساب المناضلين الحقيقيين للحزب. @ هل مستجدات الأحداث في الجزائر و قلب القيادة السابقة التي حكمت البلاد و المرور إلى الحراك عرّت واقع الأحزاب و كشفت مصداقيتها و بالتالي أثنت عزيمة المناضلين أو ما بقي منهم من أجل هذا الانتماء المهزوز؟ أي ما علاقة المناخ السياسي بالضحالة التي تعانيها الأحزاب ؟؟؟ ^ أكيد، فبعد الحراك الذي عرفته البلاد و الذي أدى إلى استقالة القيادة السابقة، فإن أهم مخرجات هذه المرحلة هو انقلاب بعض الأحزاب على عقبيها في فترة وجيزة، فقبل الحراك كانت أحزابا مساندة للعهدة الخامسة لتنقلب بعد ذلك إلى رافضة لها و مباركة للحراك الذي شهدته البلاد بل و تبنيها له، هذا الأمر الذي أبان على الاختلال الذي تعرفه الأحزاب السياسية في بلادنا، من خلال عدم قدرتها على إتباع نهج سياسي أصيل وواضح يعتمد أساسا على تغليب المصالح العليا للبلاد على المصالح الضيقة لقياداتها، و بالتالي فإن الشعب عرف المستوى الحقيقي لهذه القيادات الحزبية و المستوى الضعيف لها، ما أدى إلى عزوف المواطنين عنها و عدم الإيمان بها بل حتى مناضليها خلال المرحلة السابقة تبرأت من هذه القيادات و توجهاتها. @ للمناضلين الذين يخرجون من أحزابهم و يؤكدون مرة أخرى أنهم كانوا مجرد أعضاء و ليس منتمين مبرراتهم أيضا، في تسلط القيادة و إصرارها على الزعامة ، أي ليس هناك تداول و لا إيمان بالقدرة الشبابية ، فإلى أي مدى يكون هذا الطرح صحيحا؟ . ^ إن خروج بعض المناضلين من أحزابهم كقطيعة مع هذه الأخيرة بسبب تصرفات بعض القيادات، له مبرراته في بعض الأحيان، إلا أنه في أحيان أخرى يدل على عدم الإيمان بالانتماء السياسي و النضال الحزبي الحقيقي لبعض الانتهازيين. بعض المناضلين في بعض الأحزاب قد ظلموا حقا من طرف قياداتهم خاصة في المرحلة السابقة، من خلال إقصاءهم من قوائم الحزب والاعتماد على أصحاب المال على حسابهم، فهذه التصرفات تؤثر حقيقة عليهم و تهز ثقتهم بحزبهم و بنضالهم السياسي، كون أنهم فقدوا الأمل في الولوج إلى المجالس المنتخبة، فكما قلنا فهدف أي حزب سياسي هو الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها من خلال مناضليها الذين يحوزون على ثقة الشعب أو الكتلة الناخبة بعبارة أدق، الأمر الذي غاب على معظم الأحزاب خاصة في الفترة السابقة، و هذا ما أدى إلى تغيير معظم مناضلي هذه الأحزاب لانتماءاتهم وتوجهاتهم. لكن في المقابل نجد بعض الأشخاص ليس لهم أي توجه أو انتماء سياسي، فهم يغيرون ألوانهم في كل موعد انتخابي، تحقيقا لمآربهم ومصالحهم الضيقة في الحصول على مقاعد في المجالس المنتخبة خاصة البرلمان بأي وسيلة، و هذا إن دل على شيء فهو يدل على أطماع هؤلاء الانتهازيين في الوصول إلى السلطة تحقيقا لمصالح ضيقة بعيدة كل البعد عن مصالح المواطن و الدولة ككل، بالتالي لابد من إعادة النظر في أخلقة الحياة السياسية من جديد و قطع الطريق على مثل هؤلاء الانتهازيين، كما لابد على الأحزاب السياسية أن تلعب دورها من خلال منع هؤلاء الأشخاص من الترشح في قوائمها، كما لابد كذلك من إعمال مبدأ التداول على السلطة في هذه الأحزاب فمن غير المعقول أن يبقى شخص على مستوى قيادة الحزب لفترة زمنية طويلة أثبت خلالها عن عجزه في تسيير الحزب وإقصاء تام للمناضلين الحقيقيين و غياب تام للمشاركة في اتخاذ القرار على مستوى هذه الأحزاب، فلابد من فتح المجال أمام القيادات الشابة للنهوض بهذه الأحزاب.