وصل رئيس السودان عمر البشير إلى منطقة هجليج التي قال الجيش إنه تمكن من استعادتها، بينما قالت حكومة جنوب السودان إنها سحبت قواتها منها. ويرى الملاحظون إن زيارة البشير لها دلالة كبيرة جدا بالنسبة للسودانيين، وتؤكد العمق الإستراتيجي للمدينة بالنسبة للسودان. وأضافوا أن الزيارة تبعث برسالة واضحة إلى السودانيين بأن هذه الأرض لا يمكن التفريط فيها, مع رسالة أخرى إلى الجنوب بأن السودان قادر على حماية أراضيه. ويأتي ذلك في وقت اتهمت حكومة جنوب السودان حكومة الخرطوم بشن غارات على مدينتي بانتيو وربكونا بولاية الوحدة بجنوب السودان مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص. غير أن الخرطوم نفت صحة تلك الأنباء وقالت إنها لم تشن أي غارات على أي من أراضي جنوب السودان. وفي غضون ذلك قالت مصادر عسكرية إن أكثر من ألف جندي من جنوب السودان قتلوا في مواجهات هجليج, بينما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن نافع علي نافع أحد كبار مساعدي البشير أن أربعمائة جندي من الجنوب قتلوا بالمعارك الأخيرة, وتحدث عن وجود قتلى من المرتزقة بينما لم يشر إلى عدد قتلى جيش السودان. وذكر مصور وكالة الصحافة الفرنسية أنه شاهد نحو مائة جريح في مستشفى بالخرطوم. وكان جيش جنوب السودان قد أعلن في وقت سابق أن 19 من جنوده قتلوا إضافة إلى 240 جنديا سودانيا, بينما لم يتم تأكيد تلك التقديرات من مصدر مستقل, حيث لم يسمح للصحفيين أو المراقبين بالتوجه لمنطقة هجليج خلال المواجهات مع الجنوب الذي أكد في وقت سابق أمس الانتهاء من سحب قواته من المنطقة. اتهامات متبادلة: وفي تلك الأثناء, تبادل الجانبان الاتهامات بشأن مزيد من الهجمات كشف عنها مؤخرا, في وقت تتعثر فيه محاولات دفعهما إلى العودة لطاولة المفاوضات. وتحدث جنوب السودان عن هجمات قالت إنها استهدفت قرى تقع على عمق عشرة كيلومترات على جانب من الحدود, من بينها غارات جوية على مناطق بولاية الوحدة المنتجة للنفط بجنوب السودان. وفي مؤشر على استمرار التوتر, كشف ماك بول نائب مدير المخابرات العسكرية في بلدة بانتيو الحدودية بجنوب السودان أن الجنوب يعزز قواته, قائلا إن الجيش السوداني أيضا يفعل الشيء نفسه. وعرض مسؤولون بجنوب السودان على الصحفيين أمس حقلا نفطيا قالوا إنه تعرض لقصف القوات الجوية السودانية الأسبوع الماضي. وقد نفى السودان تلك الاتهامات, وأعلن صد هجوم كبير من جانب مقاتلي الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال بولاية جنوب كردفان على الحدود الجنوبية للسودان. وفي هذا السياق, دعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ الطرفين لوقف القتال واستئناف المفاوضات, وقال إنهما بحاجة للتحلي بالحنكة السياسية وأن يكون الدافع وراء تصرفاتهما رؤية تضع بالاعتبار المصالح طويلة الأمد لدولتيهما وشعبيهما والمسؤولية صوب المنطقة وبقية أفريقيا والمجتمع الدولي على نطاق أوسع. كما طالب بينغ الطرفين بالامتناع عن البيانات التحريضية التي لا تعقد الموقف الحالي والحساس فقط ولكنها تقوض احتمالات إقامة علاقات أخوية بين الدولتين. وبينما وجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون انتقادات حادة, دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما لاستئناف المفاوضات المتوقفة بشأن الخلافات على الحدود والنفط معتبرا أن الفرصة لا تزال قائمة لتفادي الحرب. وفي مقابل ذلك, اعتبر وزير الدولة السوداني للنفط إسحاق آدم جامع أن فرص التوصل لتسوية قريبة لا تزال بعيدة, وتحدث عن احتمال أن تطلب الخرطوم تعويضات عن الأضرار التي لحقت بهجليج قبل أي محادثات. وكشف عن فقدان الخرطوم نحو أربعين ألف برميل يوميا من الإنتاج النفطي بسبب القتال, لكنه أشار إلى أن لدى بلاده احتياطيات كافية لتسعة أشهر. وطبقا لرويترز, فإن القتال سيخلف آثارا مدمرة لاقتصاد البلدين الذي يعتمد على النفط, كما يمكن أن يفجر أزمة لاجئين على طول الحدود المشتركة والمناطق المجاورة. وأشارت رويترز إلى توتر من نوع آخر, حيث قالت نقلا عن شهود إن مئات الأشخاص اقتحموا كنيسة يستخدمها الجنوبيونبالخرطوم السبت الماضي مما أثار المخاوف من إشعال توترات طائفية وعرقية. ويعيش بالسودان أغلبية مسلمة, ويقدر عدد المسلمين في جنوب السودان بنحو 17% من السكان وعدد المسيحيين 18%، ويعتنق بقية السكان الديانات الأفريقية القديمة. ولا يزال مئات الآلاف من الجنوبيين يعيشون بمناطق قريبة من الحدود المشتركة, حيث يواجهون أزمة تتعلق بتوفيق أوضاعهم القانونية. يُذكر أن جنوب السودان انفصل عن السودان بعد استفتاء نصت عليه اتفاقية السلام التي وقعت بين طرفي الحرب الأهلية عام 2005، وأنهت عقودا من الحرب خلفت نحو مليوني قتيل. وقد تزايد التوتر بين الدولتين منذ ذلك التاريخ حيث اندلع أعنف قتال منذ الانفصال, في وقت سابق من الشهر الجاري، على منطقة هجليج المنتجة للنفط مما أثار مخاوف من العودة إلى الحرب الشاملة.