إنه ليس من المريح ولا من المشجع جدا ولا المحفز والمنشط أن نرى هذا الاندفاع الكبير للشباب وللمراهقين لأجل أن يحتفلوا ويعبرون عن فرحتهم! حيث أنه يكفي فقط أن نعلن عن لون الحدث لنجد الجميع يسارع إلى العمل بالتوبة سواء كان ذلك على مستوى العائلة والأسرة أو بين الجيران أو مع زملاء العمل وحتى من أجل احتفالات رسمية ولسنا هنا بحاجة إلى أن نبرز بأن كل واحد يبذل مافي وسعه من جهد من أجل أن تكون الاحتفالات كبيرة وهائلة ورائعة الى درجة أننا نبذل في هذا الإتجاه جهودا أكثر ونتحمس بقوة وبحماس متدفق أكبر بكثير من حماسنا للعمل اليومي الذي نقوم به عادة. هكذا هو الأمر، وليست هناك صورة كما يقال خاصة أنه لا شيء يفرحنا كما نعتقد بين الحين والآخر (خالوطة) من الفرح المبالغ فيه والرقص (حتى لا تقول في كل الأوقات) وهذا في سياق اللحظات التعيسة الحزينة التي نعيشها والتي لا تترك فينا سوى صور مؤسفة لليأس والقبول بماهو موجود والمآسي وفقدان الأمل الذي نخلفه لدى أغلبية ومعظم الناس، حياة يومية كئيبة، لكن الحمد لله أنه ليست الفرص والحظوظ والمناسبات التي تنقص نفوس الطبقات الكادحة على هذا الكوكب، والذين لا يكفون عن حساب الأيام والليالي التي بقيت لهم ليعيشوا فيها بكل كرامة وعزة نفس حتى تنبعث فيهم الحياة مثلما تسري الحياة في زهرة ربيع. ولقد كانت كأس العالم لكرة القدم (المونديال) من بين هذه الفرص التي لا يجب تفويتها والتخلي عنها وإن كان الحلم ليس عظيما ومبهرا وملونا إلا عبر شاشة التلفزيون. لكن الأحسن هو أن تتحول الاحلام إلى حلم ساحر وعجيب خاصة عندما يكون وطننا ضمن قائمة المتنافسين الذين سيلعبون جنبا الى جنب وبالاقدام لأجل أن يرتفع ويرفرف العلم على منصة التتويج وهكذا فإن كل مقابلة ولقاء سوف يصبحان فرصة ومناسبة للاحتفال ذات أبعاد ضخمة الى درجة أنها تحرر القلوب الأكثر ضيقا وحزنا والأكثر ترددا، فالجزائر قد بعد أربع وعشرين سنة من الضباب الذي غشي عالم كرة القدم بشرف أن ترتبط مجددا باللقاءات الدولية، وهل هناك ماهو طبيعي وعادي جدا من أن نرى هذا التدفق الاحتفالي الذي أبداه شعب بكامله الذي لايملك من مورد للتعبير عن فرحه الجنوني إلا تلك الزغاريد أو الأغاني والموسيقى التي ألفت وأعدت خصيصا لهذه المناسبة وبسرعة من قبل ملحنين متدربين، الذين أصبحوا شيوخا وأساتذة في فن أنقل وألصق؟ كان يجب أن نصدق ذلك! إلى أبعد الحدود، وإن كان سوء الحظ يلاحق ويطارد ويستهدف فريقنا الوطني، الذي بدون أية عقد تذكر، قد نافس الكبار والكبار جدا، وعلى الاقل تلك الغرف والتشكيلات التي لاتزال تعتقد بأنها تحتكر الإتقان والفوز الدائم وانها لا تغلب أبدا نعم، وبكل بساطة فإن هؤلاء الخضر كما عنونت إحدى الصحف اليومية ليس لهم أن يحمروا من الخجل لأنهم تعثروا منذ بداية المسار إن كل الجزائريين يأسفون كثيرا على هذه الخطوة الخاطئة التي عرقلت حقا اندفاعهم، ووضعت حدا وبشكل مفاجىء لذلك الانفجار والاندفاع والهذيان صحيح جدا أن الثمالة التي أصابت البعض والبعض الآخر قد أنست الجميع انشغالاتهم اليومية الى درجة أن الحديث بين الناس لم يكن يشمل سوى توقعات والحظوظ المحتملة للفريق الوطني في هذه المرحلة أو تلك من مراحل كأس العالم التي يتطلع الجميع لانتزاعها والحصول عليها. إنها كأس التي إضافة الى الفرح والسرور الذي تحدثه لدى الناس لاتزال لا تكف عن تغذية وتزكية مظاهر عنف مؤسفة جدا، ومن بينها ذلك الشجار بدالاس بالولايات المتحدة بين ثلاثة أصدقاء كانوا يشاهدون مقابلة أمام جهاز التلفزيون، لكن سرعان ما تحول المنظر والمشهد إلى أحد مشاهد الصالونات التي نشاهدها في أفلام الغرب الأمريكي الفار-ويست اي الى شجار وضرب وغيرهما وكانت الحصيلة قتيلان، والسبب دون أدنى شك هو مقابلة كرة قدم لم تعجب كثيرا هؤلاء الاصدقاء الذين تحولوا فجأة إلى أعداء يتضاربون ويتقاتلون، وهذا حدث عندنا أيضا وليس في أفلام الويسترن فقط، فمع أن الحصيلة كانت تبعث موجة برد في الظهر وهذا من خلال حوادث مرور غبية ناتجة عن تسابق مجنون ومبالغ فيه على متن سيارات تجري بسرعة... قبور مفتوحة انها كأس عالم التي اضافة الى المتعة التي حققتها لمجانين الكرة المستديرة، تظل توحي بأشياء لم نكن لنتوقعها، خاصة من قبل شخصيات مشهورة ومعروفة بصرامتها وحزمها ووضوح الرؤية لديها وبروحها الوطنية واتجاهها الشوفيني، وتابعوا ما أقول لهم عن زعيم ومالك زمام وسائل الاعلام وكذا صاحب مقاليد الحكم في الحلبة الرومانية السيد سيلفيو برولوسكوني الذي غداة انسحاب وإقصاء فريق بلاده، من أدوار كأس العالم القادمة، قد حمل حملة شعواء على انجلترا (ليفربل) ربما الخلافات التي لم ترددها بعد دقات ساعة بيغ بان. على كل حال إن كأس العالم يعيشها الناس بمعظمهم ببرودة منذ إقصاء فرق بلدانهم، ولأن الجزائري يريد أن يعبر بنعم أولا فخره واعتزازه الكبير إننا نتمنى بدورنا أمنيات جميلة في المواعيد المقبلة في كأس افريقيا للأمم وإلى أن يحين موعدها فإن ماء كثير سوف يسيل على الجسور التي لم تنقطع وحبر كثير سوف يسود أعمدة الجزائر باتجاهات جدية وأخرى سخيفة وثالثة متسرعة متهورة، في الوقت الذي لايمكن في هذا الصيف الرمادي الخزين، للشارع إلا أن يرتبط وينضم إلى أية استراحة كانت!... خاصة لأجل أن يمحي صيحات الأيام التي تلت فرحة... ضائعة.