لا سبيل لبناء دولة حديثة إلا بعد تربية مواطن فعال أكد الدكتور اليامين بن تومي أن النقد الأدبي في بلادنا بات يتسم بالروتين و العجرفة الأكاديمية , مشيدا في نفس الوقت بالنقد الصحفي الذي غالبا ما يقدم الكتاب و المفكرين بشكل أفضل مقارنة مع النقد الأكاديمي الذي أصبح مجرد نقد دعائي وترويجي , , كما أوضح بن تومي في حواره الحصري مع جريدة الجمهورية أن هناك أعمال فلسفية ناجعة في الجزائر لكنها قليلة , و سيتم تدوينها خلال الفترات القليلة المقبلة لاسيما أن المشهد الفلسفي الآن ينبئ أن المستقبل ستصنعه أقلام جزائرية . هذا إضافة الى تصريحات أخرى تتابعونها في الحوار التالي : الجمهورية : دعوت في كتابك الأخير " ممكنات النهضة في الجزائر العوائق والبدائل المحتملة " إلى ضرورة الانتقال من النظام السياسي إلى نظام المواطنة , فهل لك أن توضح لنا هذه الفكرة ؟ اليامين بن تومي : أشكرك لكم بداية هذه الحفاوة التي توليها الصحافة الوطنية لبعض كتبي و لمساري البحثي ، نعم , قلت ذلك في تخريجي الأساسي ضمن كتابي " ممكنات النهضة " . و تم ذلك بعد تأمل دقيق للمسألة الجزائرية التي باتت تشكو من معضلات حقيقية تنم عن أزمة سياسية خطيرة ، ذلك أن البناء السياسي هنا في الجزائر منقوص من جهة البعد التربوي ، واهن وضعيف , أدى إلى عدم وجود تراكم حقيقي لدى السياسي الجزائري في تقعيده المبدئي لفكرة المواطن , فهو يشعر أنه جزء من بنية السلطة و ليس طرفا في الدولة ، لأن الفعل السياسي في بلادي يرسخ لديمومة الفكرة الواحدة و للسلطة الواحدة , و لا يبني مواطنا حقيقيا له بعد وطني في جهة , إنه طرف في الدولة , هذا ما عبرت عنه حقا في أطروحتي التي تحدثت عنها ، ما هي العوائق الكبري التي استحالت دون تحقيق الوعي بمسألة المواطنة نتيجة الممارسة السياسية الشكلية التي أهملت البعد التربوي للمواطنة ؟ و لا سبيل لبناء دولة حديثة بالمعني الحقيقي إلا بعد تربية مواطن فعال . الرواية أكثر الأشكال الأدبية التي تحقق لي تصالحا مع ذاتي . الجمهورية : تشتغل في حقل البحث الأكاديمي والفلسفة والدراسات والمقاربات النقدية ، وفي ذات الوقت تكتب الرواية والقصة ، فكيف توفق بين الحقلين ؟ اليامين بن تومي : هي حقول قريبة مني و ليست بعيدة تخرج من مشكاة واحدة وكلها تتعاضد لتعبر عني ، فغالبا ما أستريح من الفلسفة إلى النقد إلى الرواية وكلها أعباء ورثتها عن أشكال القراءة التي تعرفت عليها في سن صغير , أشعر أنه على أن أكون هكذا , لأن الثقافة الموسوعية التي ورثتها عن أهلى كان لها دور فعال في تكويني الثقافي ، فأنا أشعر أنني أكثر من عقل ، و كل واحد يريد أن يروي غروره ، و لذلك فما أقوله في النقد لا أستطيع قوله بالرواية و العكس صحيح ، ثم الرواية تجعلني لا أفقد عقلي , فهي تحقق لي ذلك التوازن الذي أنبعث منه مرة أخرى للحياة ، الرواية أكثر الأشكال الأدبية التي تحقق لي تصالحا مع ذاتي . نحن نكتب لنقاوم الفساد و التخلف . الجمهورية : رواياتك تحمل بين طياتها تأملات و أفكار فلسفية قيمة , فهل هذا يجعل من رواياتك موجهة لفئة معينة ؟ اليامين بن تومي : لا بالعكس , صحيح أنني لا أكتب من أجل الكتابة , فثقافتي دائما حاضرة معي , أفكر بالرواية في مشاكلنا الكبيرة ؛ الوجودية و الإنسانية ، تلك الإنسانية المجروحة من جهة البناء لم نستطع تحقيقها على أكمل وجه , فنحاول أن نحلم بها في الرواية ، هكذا أتصور أو بالأحرى أحلم ، ثم ما أكتبه موجه لكل الفئات فالقصة عندي بسيطة يفهمها الصغير و الكبير , و لكن البعد الداخلي ووحدة الحكي قد تكون فيها مضامين عميقة أكيد ، لذلك نحن نكتب لنقاوم الفساد و التخلف ، نريد فقط أن نبني مجتمعا يعيش على التضامن و التسامح و المحبة . الجمهورية : ما علاقة الفلسفة بالثقافة ؟ اليامين بن تومي : هي علاقة توحد فكلاهما معين للآخر ، لا يمكن للمثقف إلا أن يكون فيلسوفا , و الفلسفة تبحر في عوامل الثقافة ، يعني العلاقة متضمنة و حاملة لشرائط التوحد . الجمهورية : ما سبب غياب التدوينات الخاصة بالإنتاج الفكري الفلسفي ببلادنا ؟ و أين يصنف الفكر الفلسفي الجزائري في المشهد الفلسفي العربي ؟ اليامين بن تومي : هناك أعمال لكنها قليلة , و سوف نعمل جاهدين لإخراج بعض الكتب في الموضوع . والمشهد الفلسفي الآن ينبئ أن القادم سيكون في الجزائر أو على الأقل ستصنعه أقلام جزائرية . النقد الصحفي يقدم المبدعين بشكل أفضل من النقد الأكاديمي الجمهورية : قلت في إحدى اللقاءات أن النقد الحقيقي في الجزائر تصنعه الصحافة ، فإلى أي حد يساهم الإعلام في بناء الحركة النقدية الجزائرية ؟ اليامين بن تومي : نعم صحيح , فالنقد الأكاديمي للأسف تضخم و أصبح لا ينظر إلى أسفل قدميه ، فهو متكبر ، لا يتابع بشكل جيد الإصدارات أصابه الروتين و العجرفة الأكاديمية التي ترى أنها أهم من المبدأ .. !! , هذا للأسف ما نحن فيه , لذلك فالنقد الصحفي يقدم المبدعين بشكل أفضل من النقد الأكاديمي , فهو نقد يخرج عن الحساسيات , دوره دعائي وترويجي , لذلك نجد الصحفي يعمل على ترسيخ علاقته بالمبدعين ليكون له إسم , ومن ثمة يعمل على التعريف بالأدب الجديد , و هو ما لا نجده في الدور الأكاديمية التي ما زالت غارقة في مواضيعها التقليدية , والتي تكون في أكثر الأحيان بائسة و سخيفة . الجمهورية : ما جديدك الأدبي والنقدي ؟ اليامين بن تومي : رواية جديدة ، وكتاب حول الرواية الجزائرية , و فيه أكثر من جزء .