في شهر رمضان، تتجسد في كافة أرجاء وهران أسمى وأجلّ مظاهر التضامن والتآخي الإسلامي، حتى أصبحت بعض من شوارع وأزقة الباهية لوحة فسيفسائية تعكس مدى ارتباط الشعب الجزائري ببعضه البعض حيث تنتشر موائد الإفطار لفائدة المعوزين والمحتاجين، تلك الموائد التي تطلق عليها في بعض الدول العربية الإسلامية مسميات مختلفة إلا أنها في الجزائر يمكن أن يسميها كل حسب مفهومه لعمل الخير والتضامن والتآلف بين أبناء الشعب والدين الواحد. وتنتشر موائد إفطار صيام رمضان في كافة أرجاء وهران ، تستوعب الواحدة منها ما يتراوح بين مائة ومائة وخمسين شخصاً يسعى من خلالها المنظمين لتأصيل قيم التسامح، وترسيخ الصور الجوهرية للإسلام الداعية للتضامن، ودعم مبادئه المشرقة أمام العالم والتي تنبذ كل مظاهر العنف . وتشتمل موائد الإفطار التضامنية على وجبات غذائية كاملة خاضعة لمعايير صحية ومراقبة طبية دائمة يقوم بالإشراف عليها عدد من شباب . و من بين مطاعم الرحمة التي تقدم وجبات ساخنة لعابري السبيل فندق الموحدين بوهران الذي يقدم في الليلة الوحدة عند وقت الإفطار أكثر من 460 وجبة يوميا في بهو المطعم الخاص بالفندق ، وهذه المبادرة للعمل الخير يجب أن يثني عليها حتى تأخذ كمثل لأهل الخير في هذه المدينة التي تعرف بكرم أهلها . هذه المبادرة الحسنة لفندق الموحدين تدخل عامها الثالث و من أجل الوقوف عند هذه العملبة التضامنية زرنا هذه المؤسسة الفندقية ذات عدة نجوم قبل موعد الإفطار للوقوف على كيفية تحضير مائدة الإفطار فوجدنا السيد إلياس .ب القائم بالفندق الذي أخدنا في جولة داخل المطبخ لنجد الشيف رفقة مساعديه في تحضير إحدى الوجبات الرئيسية المتكونة من طبق الحريرة و البوراك و طاجين سواء أكان زيتون أو حلو و لكن وجدنا الشيف يحضر البارانية الذي قال لنا أن كل يوم نحضر وجبات أكثر و هذا منذ بداية رمضان الكريم مع تغير لائحة الطعام كل يوم . تركنا الشيف مع تحضير الأكل و توجهنا إلى مكان استقبال عابري السبيل فوجدنا الكل يحضر المكان المخصص لإطعام هؤلاء المساكين الذين تعودوا على المجيء إلى هنا للإفطار حيث ذكر لنا السيد إلياس .ب القائم بالفندق أن الوجبة تبدأ بالتمر و الحليب إضافة إلى الحريرة و طاجين زيادة إلى المشروبات الغازية و الماء و بعد الإفطار نقدم الشاي مع الحلويات الشرقية ، وعندما يهم عابري السبيل من المساكين للذهاب نقدو لهم ما تبقى من مأكولات ليأخدوها معهم لأننا لا نقدم وجبة السحور هنا بالفندق لهذه الشريحة التي تأتي إلى هنا للإفطار . كما أضاف قائلا : ( إنها صدقة جارية يقدمها السيد بلحبيب عبد الوهاب صاحب الفندق وهي التفاتة جميلة منه تحسب له في ميزان الحسنات إنشاء الله ) و للعلم فإن فندق الموحدين تحصل على عدة جوائز دولية خاصة في الإطعام و هذا من اسبانيا و سويسرا و قريبا في نيويورك . إن المتابع لهذه الحركية الروحية التي تعيشها وهران على امتداد الشهر الكريم يلمس ما تتركه موائد الإفطار وقفة رمضان من انطباعات طيّبة لدى المعوزين وضعاف الحال لأنها بقدر ما حرصت على أن تقدم لهم الدعم المادي، أصرت على أن تشيع داخلهم الدفء والتواصل الإنساني، من خلال حسن الاستقبال والإحاطة والعناية بهم مما يرسخ بداخلهم أجمل قيم ا والتآزر و المحبة ويؤصل الوازع الديني لديهم ويمتن أواصر الانتماء إلى وطنهم. شهر رمضان الكريم له مكانة متميزة في الجزائر، فالشعب الجزائري من أكثر الشعوب الإسلامية احتفاء بهذا الشهر المبارك. وهو من الأشهر التي تحسب في الاعتبار الشعبي من المواسم العظيمة، لا بالمعنى التقليدي لكلمة موسم، لكن بالمعنى العميق الذي يعني الاحتفال به، والاحتفاء بشعائره، والاستعداد المبكر لذلك و الحديث عن بعض النماذج الطيبة في مدينتنا وهران جد مهم لأنه يحفز آخرين أكيد لعمل الخير و أكيد المستفيد الأول من مال الله هو المعوزين في هذه المدينة .