انها صفحة مجيدة من تاريخ الولاية الخامسة , تلك التي قررت منظمة المجاهدين بولاية معسكر و السلطات الولائية و كامل أعضاء الأسرة الثورية إحياءها كل عام كما فعلت أمس مركزة على الجانب التنموي الذي كان أحد أهداف الثورة التحريرية المجيدة ,انها صفحة تروي بعض ما قامت به كتيبة من جيش التحرير الوطني اثناء مسيرة انطلقت من الحدود الغربية من قاعدة " وجدة المغربية " لتجوب كامل انحاء الولاية الخامسة ,لإرساء دعائم النظام العسكري في الجهة الغربية , ومدها بالسلاح . ولعل ابرز ما تخلل هذه المسيرة من نشاطات عسكرية , ذلك الهجوم الذي شنه الجنود ليلة 22 الى 23 سبتمبر 1956 في حدود العاشرة ليلا على 14 مزرعة تابعة للمعمرين بسهل تغنيف في محيط قدر قطره بأربعة كيلومترات حيث اضرموا فيها النيران و قتلوا من قاومهم من المعمرين او أعوانهم . الصحافة الاستعمارية ممثلة في جريدة " صدى وهران " , خصصت لهذا الحدث عدة تقارير بقلم مراسلها من معسكر و أحد مبعوثيها الخاصين الى عين المكان ,حيث تحدثت تقاريرهما الصحفية عن حرق 14 مزرعة تقع على محور " تغنيف , سيدي قادة " ضمن دائرة يزيد قطرها عن أربعة كيلومترات , و حصرت عدد المشاركين في المعركة ب 200 و 300 شخص كما قدرت الخسائر البشرية بستة قتلى 04 من بينهم من المعمرين , بينما تمثلت الخسائر المادية حسب هذه التقارير في حرق بعض الحزم من التبن و العتاد الفلاحي و تخريب اسلاك و اعمدة الهاتف , و هلاك عدد من الحيوانات , وهي خسائر ( 14 حريقا ) استغرقت عملية اخمادها اكثر من 20 ساعة , حسب التقارير الصحفية نفسها . و لإكمال المشهد دعمت التقارير بصور الحيوانات الهالكة في هذه الحرائق , مذيلة بعبارات الرثاء و مشاعر الشفقة , التي تحسن الاقلام الاستعمارية صياغتها في مثل هذه المناسبات , لكن اصحابها سرعان ما يفقدون مشاعرهم هذه عندما يتعلق الامر بمقتل عشرات الجزائريين في مجازر جماعية يقترفها العسكر الفرنسي . هذا ما نقلته الصحافة الاستعمارية عن الحدث بشيء من التفصيل المبهم , تاركة تقدير الخسائر الحقيقية لمن يعرف مردودية سهل تغنيف في الخمسينيات , و يدرك المساهمة المعتبرة لمزارع المعمرين في تموين و تمويل الجيش الاستعماري , خاصة وان الهجوم تم مباشرة بعد موسم الحصاد , ولعل في ذلك ما يفسر اقدام الجنود على حرق المزارع بوصفها اهدافا اقتصادية للجيش الاستعماري , بدلا من الهجوم على المراكز العسكرية . اما الحدث التاريخي حسب الذين عايشوه او شاركوا فيه من المجاهدين , فيبدأ بمجيء كتيبة من جيش التحرير تضم 120 جنديا , بقيادة " سي عبد الخالق " و ذلك بهدف ايصال حصة من السلاح الى المنطقة و اقامة تنظيم عسكري بها . وقد وصلت الكتيبة الى مشارف دوار ترارة غرب مدينة تغنيف و هناك قضى افرادها ليلة واحدة قبل ان يتنقلوا يوم 20 سبتمبر 1956 الى دوار " الدراويش " اين اتخذ سي عبد الخالق" منزل عائلة" معروف " مركزا للقيادة , وهناك بعد ان علم قائد الكتيبة ان التنظيم الذي جاء لإقامته موجود ولا ينتظر سوى تدريب افراده على استعمال السلاح ليصبح عمليا , فكر بالقيام بهجوم على مراكز المعمرين و مما قاله " سي عبد الخالق " في هذا الشأن " ان المنطقة هي موطن الامير عبد القادر و مآثره البطولية ولابد ان نقوم فيها بعمل يناسب شخصيته و يسجله التاريخ , ليشرع على الفور في التحضير للعملية . التحضير و التخطيط دام ثلاثة ايام , تم خلالها تجنيد حوالي مائتي فدائي من المواطنين و صنع الزجاجات الحارقة ,قبل ان ينقسم الجنود و الفدائيون الى عدة افواج , تمركز بعضها في دوار اولاد النعام , و بعضها في دوار اولاد سيدي الصافي , ودوار اولاد عبد الله, حتى يكونوا بالقرب من المزارع المستهدفة , حيث كلف فدائيون و جنود اخرون بقطع اعمدة و خيوط الهاتف ليلة الهجوم . وبعد احكام التخطيط حددت الساعة العاشرة ليلا من يوم السبت 22 سبتمبر 1956 موعدا لشن الهجوم , على ان يكون اللقاء بعد العملية في ضريح سيدي ابراهيم جنوب مدينة تغنيف . وهذا ما تم في الموعد المحدد , حيث قام الفدائيون المجندون للعملية تحت حماية جنود جيش التحرير بحرق 14 مزرعة من اهم مزارع المنطقة و اكبرها , كما اضطر الجنود المسلحون برشاشات و بنادق الصيد الى قتل 04 معمرين و جزائريين اثنين حاولوا المقاومة و منع الفدائيين من اضرام النار في المزارع , في حين اصيب جنديان من جيش التحرير بجراح خفيفة من جراء طلقات نارية تلقوها من المعمرين . المزارع التي استهدفتها العملية هي 03 مزارع لأفراد عائلة المعمر " شاران " ثم مزارع " كانتوني , اليكسي , كراسكو, بيمان , باتانا , بيجار ليكسي , شارلو , روسو , كانبلو , بيريز , " و تعاونية معصرة الخمور , وكلها تقع بضواحي مدينة تغنيف , التي كانت تنتمي ابان الثورة الى الناحية الاولى , المنطقة السادسة القطاع 25 من الولاية الخامسة التاريخية . ولسنا في حاجة الى التذكير برد فعل السلطات الاستعمارية عن هذا الهجوم الذي اراده " سي عبد الخالق " ان يسجل في التاريخ ,لان رد الفعل كان كالعادة عبارة عن اعتقالات عشوائية للمدنيين العزل , وعمليات تفتيش مباغتة و همجية للمساكن , ثم محاكمات تعسفية للأبرياء وسجنهم وما يتبع السجن من تعذيب و ترهيب . ومن بعد لو لم ننقل من خلال هذا الموضوع سوى رأي " السي عبد الخالق " احد ابطال الثورة التحريرية حول هذه العملية التي ارادها ان تكون هامة اهمية تاريخ المنطقة و خطط لها بنفسه من اجل ان تكون اهلا لأن يسجها التاريخ , لكنا قد ادينا ما علينا في نقل امنية شهيد يحرص مجاهدو المنطقة أحفاد الأمير على تحقيقها سنويا منذ 22 عاما .