سيبقى مونديال قطر راسخا على مر التاريخ في عقول كل من شهدوا البطولة العالمية لكرة اليد ، و التي تعتبر فريدة من نوعها ليس في جانبها الرياضي فقط و إنما حتى من جوانب أخرى فالدوحة التي إحتضنت هذا العرس العالمي ساهم جمالها و سحرها بإسهاب في إجناح الدورة ال 24 ، كيف لا و سحرت كل قاصديها من سياح و منتخبات و حتى الإعلاميون الذين إنبهروا للعولمة التي أضحى عليها هذا البلد الصغير من ناحية المساحة كبيرة من جانبه الإقتصادي و السياحي ، جعلنا بكل بساطة نضع لقبًا جديدة لعاصمة قطر ألا و هي الدوحة لؤلؤة الخليج . من خلال هذا الروبورتاج الذي أجريته أثناء فعاليات البطولة العالمية لكرة اليد إستغليت الفرصة من أجل زيارة بعض المواقع الأثرية و الحضرية للعاصمة القطرية ، و قد إنبهرت بجمال هذه المدينة الساحرة المتوجدة في عمق الصحراء لشبه الجزيرة العربية ، كان كل شيء رائعًا يعجز القلم عن الوصف .... الر حلة الجوية استغرقت 8 ساعات من الجزائر إلى قطر .... ثمانية ساعات هي الفترة التي إستغرقتها الرحلة الجوية من الجزائر إلى قطر خلصت بوصولنا إلى مطار حمد الدولي بالدوحة ، أين كانت لجنة تنظيم المونديال قطر 2015 لكرة اليد في إنتظار البعثة الإعلامية الجزائرية و التي تلقت الدعوة من طرف الإتحادية الدولية لكرة اليد بمعية نظيرتها الجزائرية ، و قبل أن تحط الطائر بمدرج مطار حمد وقفنا على جمال مدينة الدوحة فكانت الساعة تشير إلى منتصف ليل بالتوقيت القطري و العاشرة بتوقيت الجزائري ، و أول ما لفت إنتباهنا تلك ناطحات السحاب المشعة بأضواء ترسمها مصابيح من قوارب على شواطئ الدوحة ، دقائق قليلة حطت الطائرة الخاصة للجوية القطرية بمدرج إستغرقنا 15 دقيقة لنصل إلى بوابة المؤدية لشرطة الحدود ، و بدون أي صعوبات بل بتسهيلات كبيرة لم يستغرق وقت الختم على الجوازات سوى ثواني لنتوجه بعدها إلى مخرج المطار لتكون الوجهة بعدها إلى فندق الريتاج الريان الذي يتموقع في الناحية الشمالية للعاصمة . قاعة دوهيل .. المذهلة و الجزائر بأكبر وفد إعلامي و بعد إجراءات روتينية تم تسليمنا لغرفنا لنخلد إلى النوم بعد إجتماع مع بعضنا البعض و الذي كان بمثابة إجتماع للتعرف ما بيننا سيما و أن الوزارة و الإتحادية عينت دنيا حجاب كمسؤولة عن البعث و لذا فكنا نجتمع مرتين في اليوم لنقيم العمل و التغطية التي كنا نقوم بها بصفة يومية لغاية أخر يوم لنا بقطر .بداية المأمورية كانت بتنقلنا في اليوم الموالي إلى المركز الإعلامي و ذلك لإستلام إعتمادات الصحفيين و مباشرة المهام بوفد الإعلامي الجزائري الذي أعتبر أكبر وفد قام بتغطية المونديال فبغض النظر عن 17 صحفي تلقى دعوة من الإتحاد الدولي فكان هناك ما يقارب 53 صحفي من أصل 30 وسيلة إعلامية جزائرية مكتوب منها و المرئية خاصة و عمومية ساهمت في نقل أحداث المونديال. و كانت وجهتنا إلى قاعة دوهيل ليتم توجيهنا إلى المركز الإعلامي و كم كانت دهشتنا للوسائل التي تم توفيرها للصحفيين بل سقط لقب أصحاب مهنة المتاعب للظروف التي وفرتها لجنة تنظيم للإعلام الذي غطى المونديال ، فقد تم تجهيز أربعة قاعات كبيرة تتوفر على أحدث الوسائل التكنولوجية قاعات خاصة ، إستديوهات للنقل المباشر ، إضافة إلى مركز خاص لتقديم أدق التفاصيل و المعلومات عن المونديال حيث تم تزويدنا بجميع الوسائل ، دوهيل التي إحتضنت حفل الإفتتاح تتوفر على أربعة طوابق و في كل طابق ملعب ، إضافة إلى طابق رئيسي تلعب فيه الباريات الرسمية ، كما تستقطب لأكثر من 25 ألف متفرج ، دون أن أنسى توفرها على محلات تجارية و مرافق خاصة للمناصر ، ناهيك عن مركز صحي دون أن ننسى مرفق خاص بالأطفال حتى ذوي إحتياجات الخاصة فلهم جناح مخصص لهم ، و كم كانت دهشتنا عندما أعلمنا ان قاعة دوهيل تم إنشائها في ظرف ستة أشهر ! ست أشهر بطاقم يظم 15000 عامل منهم 70 مهندس معماري سهروا على تشيد قاعة دوهيل فيما لا يزال ملعب بئر جير بوهران قيد الإنجاز و مر على وضع حجر الأساس 3 سنوات . حفل افتتاح ولا أروع و قاعة حمد فال شؤم على الخضر المباراة الأولى للمونديال سبقها حفل الإفتتاح و الذي إعتقدنا أنه سيكون عادي و سيكون مزيج ما بين لوحات فنية تخص البلدان المشاركة و مستضيف الدورة ، لتفاجأ قطر العالم بتقديم حفل لن ينساه كل من كان في القاعة و كأنه فلم بنظارات الجيل الثالث لتنطلق المنافسة طبعًا بفوز العنابي في أول لقاء الذي عرف حضور بعض رؤساء الدول في مقدمتهم أمير دولة قطر الذي أعطى إشارة إنطلاق البطولة . ليأتي اليوم الثاني و الذي كان الجميع ينتظره ، كيف لا و ان المباراة التي أخذت أعلى نسبة من ناحية الحضور الجماهيري هي تلك المباراة التي جمعت المنتخب الوطني الجزائري بنظيره المصري ، و التي إحتضنتها قاعة حمد أل عطية التي لا تقل جمالاً و لا قيمة عن قاعة دوهيل يكفيها أنها بسعة إستعاب تتجاوز العشرين ألف مناصر و تتوفر على خمسة ملاعب معشوشبة طبيعيًا إضافة إلى قاعة أخرى قادرة على إحتضان مباراة نهائية لمنافسة كأس العالم لتكون أول خرجة للخضر مخيبة بل كانت أثقل هزيمة تتعرض لها اليد الجزائرية لتبقى هزيمة مصر ذكرى سوداء إذ لم يستوعب الجميع نتيجة المباراة الجزائر قدمت وجه جد شاحب . فشل المنتخب يفتح المجال للصراعات والخلافات وما خفي أعظم المنتخب الوطني الذي حقق سبع إنهزامات في سبع لقاءات لعبها رفقاء مقراني في مونديال قطر ، كواليس كثيرة لم نكشف عنها حينها من بينها الصراعات الداخلية التي حاول الطاقم الفني إخفائها ، إضافةً إلى عدم قدرة الناخب الوطني السيطرة على لاعبيه الذين كانوا يختارون المباريات التي يلعبوها و التي لا يلعبوها ، ناهيك عن تصريحات النارية للناخب الوطني إتجاه رئيس الإتحادية بل وصل الأمر إلى رفضه الحديث معه في إتصال هاتفي من بوعمرة بنما كان الخضر في طريقهم إلى قاعة عطية أل حمد لمواجهة المنتخب الفرنسي ، و الأدهي من ذلك هو رفضه تقارير الفنية التي كانت تصله من طاقم وضعته الغتحادية تحت تصرفه ، أمور كثيرة جعلت بطل إفريقيا ينهار و يفقد هبته بعدما وصل به الأمر للإنهزام امام منتخب الشيلي الذي شارك لاول مرة في المونديال ، و بفضل رفقاء الحارس بن مني نال إستقبال رسمي من طرف حكومة بلده ، لتبقى المشاركة الجزائريةبقطر كأضعف تمثيل للكرة الصغيرة و شوهت حتى كفاءة الإطارات الجزائرية و حتى اللاعبين القدماء فدموع غربي رابح اللاعب السابق للخضر أثناء حوار أجريناه معه و الذي لم نتمكن من إنهائه بسبب شدة التأثر ، و و مغادرة إحدى العائلات الجزائرية القاعة برؤوس مطأطأة و علامات الخيبة تسود وجوههم مباشرة بعد نهاية الشوط الأول للمباراة التي كانت ما بين الخضر و و التشيك لخير تفسير و تعبير عن المهزلة التي عرفتها المشاركة الجزائرية في مونديال قطر . زيارة خاطفة لمركب لاخويا النادي السابق لمجيد بوقرة الهزيمة الأولى للخضر أمام الفراعنة جعل الحظوظ تتضاءل ، ليلجأ رفقاء بركوس إلى كأس رئيس و التي لعبها في قاعة لوسيل بمركب لخويا مسرح النادي الذي كان يلعب فيه قائد الخضر مجيد بوقرة ، هذه القاعة يسميها القطريون بفسيفساء ، و ذلك راجع لشكلها و القوقعي و التي تنبعث منها أضواء كثيرة يخيل لك أنه صحن فضائي و التي كانت أخر محطة للمهازل سفراء اليد الجزائرية بعد هزيمة هزت بطل إفريقيا من عرشه إثر سقوطه الحر أمام السعودية و الشيلي . تواصل الإثارة فقد كانت بتواصل تألق المنتخب القطري الذي أدرك المباراة النهائية في سابقة لم تكن لأي منتخب عربي و كانت أمام منتخب فرنسا . منتخب قطر يعيد رسم خارطة اليد العالمية مونديال قطر كان ناجحا بكل المقاييس حيث عشنا الحدث لمدة أسبوعين بجميع تفاصيله لم يخلو من الأجواء الإحتفالية التي صاحبت البطولة ، فلم تخلو القاعات الثلاثة التي إحتضنت الحدث العالمي يوميًا من حفلات ليلية كان يحيها نجوم الطرب العربي في صورة كاظم الساهر ، سميرة سعيد إضافة إلى أكبر مغني البوب العالميين ، بإستثناء أيام الثلاثة التي أعلن فيها الحداد عقب وفاة العاهل السعودي . عين على مونديال و اخرى على الكان و من محاسن الصدف فقد صادف مونديال قطر بطولة كأس أمم إفريقيا لكرة القدم و التي كانت على وشك أن يتم تنظيمها في قطر بعد عزوف المغرب على إحتضانها بداعي حجة إيبولا ، ليستقر الأمر في الأخير على غينيا إستوائية التي أنقذت العرس الإفريقي حافظت على الأعراف بتنظيمه في القارة التي ينسب إليها ، هذه البطولة ألقت بضلالها على البطولة العالمية كيف لا و كان أمل العرب معلق على عاتق المنتخبين التونسي و الجزائري ، و عليه فقد حاولنا ان نعيش الحدث مع الجالية الجزائريةبقطر رغم قلتها إلا اننا تمكنا من تقاسم الفرحة مع عشاق الخضر و لم يقتصر الأمر على الجزائريون بل حتى " التوانسة " و المصريين ... الجالية الجزائرية عاشت الحدثين بين الحسرة والترقب فكانت مقاهى اليابانيون بسوق الواقف هو نقطة إلتقاء عشاق المحاربون . و التي تابعنا فيها أول مباراة للمنتخب الوطني بغينيا إستوائية التي كانت أمام جنوب إفريقيا و من مطعم الرحاب المتواجد في سانتر كوفي وسط سوق الوقف ، إذ بعد حملة تحري التي باشرناها قبل ساعة من إنطلاق المباراة لنجد هذه المقهى صدفةً صوت عزف للنشيد الوطني جعلنا نهرع مسرعين و عند سماعنا لشعار " وان تو ثري و التي تعتبر ماركة مسجلة جزائرية تأكدت بأنني في العنوان الصحيح و أنني وجدت ما كنت أبحث عنه ، و كم كان ذهولي عندما وقفت على تواجد عائلات جزائرية تلبس أقمصة أديداس الجديدة الخاصة للخضر و أعلام وطنية و كأن الأمر يتعلق بمقهى في الجزائر او احد الاحياء بوهران ، وسط دهشة السياح الذين كانوا في نفس المقهى ، لكن سرعان ما تأقلموا مع الأجواء بل تحول الامر إلى ترديد شعار وان تو ثري مع انصار الخضر بمجرد تسجيل محرز للهدف الاول للخضر أين إنقلب السفير على العفير وسط فرحة عارمة بإدراك المنتخب الوطني للهدف الثالث جعل صاحب المطعم الصيني يرقص شخصيًا على إيقاع الأغاني الجزائرية ، لينطلق موكب عرس من أفخر السيارات نحو كورنيش الدوحة و الراية الوطنية ترفرف و إن دل على شيء هو أن الشوق إلى الوطن جعلهم يعتبرون الفوز على جنوب إفريقيا بمثابة إنجاز حتى إعتقدت أننا نلنا كأس إفريقيا ففي ظل قلة الجالية الجزائريةبقطر إلا أنهم حولوا هدوء مجمع الدوحة الإقتصادية إلى حفل ، لنشهد على نفس السيناريو في مباراة السنغال و رغم الهزيمة المرة التي كانت أمام ساحل العاج إلا أن أنصار المنتخب الوطني صفقوا كثيرًا على أشبال غوركوف ، صحيح انه نال نصيبه من الإنتقادات إلا أنه بالنسبة إليهم كل شيء يهون أمام الراية الوطنية فالجزائر مهما كانت خيبة مشاركة ممثليها بمختلف المحافل إلى أن الوطن شيء مقدس .أجواء إحتفال انصار المنتخب الوطني لكرة القدم بتأهل للدور الثاني إستغرب له الجميع هنا بالدوحة ، طبعًا ليس من طرف الشعب القطري الذي تعود على مثل هذه الأمور و الهستيريا التي تتعرض لها الجالية الجزائرية عقب أي إنجاز رياضي ، فقد كشف لنا على زين بن دوار شجانية و هو مواطن قطري ان هنا تعودوا على مثل هذه الخرجات بل يشاركون انصار الخضر فرحتهم في الكثير من الاحيان و الامر نفسه بالنسبة للجزائريين عندما يتعلق الأمر بإحتفالات أنصار العنابي ، إقترابنا من هذا المواطن جعلنا نستغل الفرصة ليعطينا فكرة أكثر عن تعايش الجالية بالدوحة ، حيث أكد لنا الزين ان الجالية الجزائرية و بقدر قلتها مقارنة بالجاليات العربية الاخرى إلا انها لها مكان خاصة ، فالمغتربين الجزائريين تعتبر من الطبقة الراقية و التي تتقلد مناصب كبيرة خصوصًا في الإعلام و الطاقة ، و في سؤالنا عن سبب إعتماد اللغة الإنجليزية رغم تواجدنا ببلد عربي كشف لنا ان الشعب القطري كله تعود على هذه الوضعية في ظل الكثافة السكانية الصغيرة و التي هي الاخرى تاقلمت مع الوضع ، معتبرًا ان سهولة تداول اللغة الإنجليزية سمح لهم بالتعامل بكل سهولة مع قاصدي السياحة بقطر و الأشغال و البزنس على حد تعبيره .