التقينا عمي " عبد الله " صدفة في أزقة شوارع مدينة سعيدة ، يجر عربته البسيطة بحثا عن لقمة العيش ، كان يحمل في يده قارورة ماء ليروي عطشه في هذا اليوم الحار، مناديا بصوت واهن "خبز يابس" ..."خبز يابس" ، دفعنا الفضول لمعرفة كيف يقضي هذا الرجل المسن يومه في جمع الخبز تحت حرارة الشمس اللافحة ،فهو رجل كبير يبلغ من العمر 80 سنة وهي مهنة صعبة جدا بالنسبة إليه خصوصا أننا اعتدنا رؤية الشباب والأطفال وهم يمارسون مثل هذا العمل المتعب . بيع الخبز لمربي المواشي بسعر زهيد تحدث الينا عمي " عبد الله" بصوته الخافت و ابتسامته الهادئة التي لم تفارق وجهه منذ لقائنا به، حيث قال إنه يستغل الوقت لجمع الخبز ولا يضيع أي لحظة رغم مشقة البحث في وهج النهار ، خصوصا أنه بدأ عمله منذ 5 سنوات بعد تقاعده ، لأن راتبه محدود لا يكفيه لإعالة أسرته المكونة من 12 فردا في ظل غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف الحياة ، ماجعله لا يحتمل البقاء في المنزل مكبل الأيدي دون عمل يلهيه ويكسبه القليل من الماء، ولهذا قرر عمي " عبد الله" شراء عربة صغيرة يخرجها كل يوم في الصباح الباكر لجمع الخبز " اليابس" الذي يمنحه له السكان والذي يجده على الأرصفة ، ثم يقوم ببيعه لمربي الحيوانات الذين يستخدموه في إطعام ماشياتهم، وهكذا يجني عمي " عبد الله" مصروف عائلته الذي ورغم قلته إلا أن فيه بركة بالنسبة إليه . التخلص من الروتين بعد التقاعد ورغم أن عمي " عبد الله " يشعر بالتعب عند جمعه للخبز اليابس إلا أن لقمة العيش تقتضي ذلك فالمشي تحت ارتفاع درجات الحرارة الملتهبة ليس بالعمل الهين، إلا أنه سعيد بما يقوم به حسبما أوضحه لنا ، مضيفا أن نسي جميع هموم الحياة و تخلص من الروتين القاتل الذي عاشه بعد التقاعد، ما يجعله يفخر بعمله الشريف ، تصريحات عمي " عبد الله" تركت أثرا كبيرا في نفوسنا وقلوبنا ، كيف لا؟ ، وهو رمز للرجل المحب لعمله ، ليختم كلامه في الأخير بعبارة جميلة " يحياو شهداءنا الأبرار ، وبلدنا الجزائر" .