عاشت عاصمة الزيانيين أول أمس على وقع الإفتتاح الرسمي لتظاهرة "تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية"، الذي أشرف عليه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، بحضور الرئيس (الأسبق) أحمد بن بلة وعدد من أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين في الدولة، ووزراء وسفراء الدول المشاركة يمثلون 41 بلداو 12 منها (غير) إسلامية أبت إلا أن تسجل حضورها في هذا الحدث الثقافي المتميز، وكذا عدد من المثقفين والفنانين الذين قدموا من مختلف أنحاء الوطن، حيث ألقى بالمناسبة رئيس الجمهورية خطابا شكر من خلاله المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "ايسيسكو" على إختيار تلمسان لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية خلال السنة الجارية التي ستشهد برامج ثقافية وفنية مكثفة وكذا ملتقيات فكرية وعلمية رفيعة المستوى ومعارض مختلفة، ستكون فرصة سانحة للمسلمين وغير المسلمين للوقوف على حصيلة المعارف ذات الصلة بشتى المحاور والمواضيع الخاصة بالثقافة والتاريخ، كما قدم بالمناسبة كل من وزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي ووزير الشؤون الدينية بوعبد الله غلام الله، وكذا رئيس "الإيسيسكو" عبد العزيز تويجري كلمة استعرضوا من خلالها المحطات البارزة التي ميزت تاريخ تلمسان وكذا الحضارات التي تعاقبت عليها وتركت بصماتها راسخة فيها وهو ما جعلها تفتك لقب "عاصمة الثقافة الإسلامية " عن جدارة واستحقاق جعلت الدكتور عبد العزيز تويجري يلقي فيها أبياتا تغنى فيها بجمال هذه المدينة الساحرة. اهتزت الخيمة العملاقة التي نصبت بأعالي "هضبة لالاستي "قبالة فندق "رونيسونس" الجديد على وقع ملحمة رائعة تحمل عنوان "تلمسان صدى الإيمان" التي أبدع في تصميمها المايسترو اللبناني عبد الحليم كركلا من خلال مشاهد مشرقة ومشرفة نقلها بأمانة من سجلات التاريخ وقدمها في أبهى صورة أمام خمسة آلاف شخص استمتعوا كلهم بهذا الإستعراض الضخم الذي سافر بهم في غياهب الماضي وغاصوا في تفاصيله وعاشوا مختلف الأحداث التي شهدتها كل حقبة على حدة وفق تسلسلها الزمني مع إبراز ما تزخر به من زخم حضاري وقيم إنسانية، تجسدت في إثنى عشر لوحة تألق فيها نخبة من الفنانين الجزائريين في الغناء والتمثيل والكوريغرافيا والسينوغرافيا، حيث صور المشهد الأول استعداد سكان منطقة "أغادير" الواقعة شرق تلمسان للدفاع عن أرضهم مشكلين سياجا لحمايتها وصونها من الغزاة إلى أن يأتي أبو المهاجر دينار وبعده عقبة بن نافع لفتح المدينة رفقة حشد من الجيوش حاملين رايات الإسلام بعدما طوقوا بأسوار أغادير العالية ، حيث تتعالى الأصوات المكبرة بالخالق الجبار جعل الكاهنة تستنجد بالعرافين لإكتشاف المصير، لكن الملك كسيلة قرر لقاء قادة المسلمين ليحتكم الحق والإيمان في نهاية المطاف، فدخل المسلمون حاملين معهم رسالة النور وتترك الكاهنة وصية لولديها تدعوهما فيها بالتمسك بالإسلام قبل أن تبرح المكان وتسكن الزمان، وتثبت الرسالة في المشهد الثامن بإعلاء كلمة الحق، وبطلوع شمس الإسلام أصبح العرب والأمازيغ شعب واحد يجمعهما مصير واحد أيضا ... وجاء في المشهد التاسع ملقى الولي الصالح القطب سيدي بومدين، وهنا خرج فارس الأغنية الأندلسية نوري كوفي بلباسه التقليدي وأطرب الحضور بوصلات رائعة من أغنيته الشهيرة "سيدي بومدين جيتك زاير" مرفوقا براقصات يرتدين "الشدة حيث تعالت زغاريد النسوة ليتحول المشهد إلى عرس حقيقي أقيم على الطريقة التلمسانية المتمسكة بعاداتها وتقاليدها الأصلية، يشع نور الحضارة الإسلامية ويجتمع في قصر الخليفة رجالات العلم والثقافة والشعر والأدب، ويعدد المشهد الحادي عشر مناقب الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، التي كانت تربطه بالمنطقة علاقة وطيدة لتختتم الملحمة بمشهد مليء بالعبر والحكم كرم فيه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة من خلال صور معبرة استعرضت مساره النضالي والسياسي وكل الإنجازات الضخمة ونهضة البناء والتشييد التي تشهدها بلادنا في ظل حكمه الراشد، ودوره الفعال في الحراك السياسي على الصعيد الدولي وعقب إسدال الستار على الملحمة أهدى المايسترو كركلا برنوسا لرئيس الجمهورية ألبسه إياه على خشبة المسرح وهي إلتفاتة تأثر لها الجميع وأعجب بها الرئيس الذي أخذ صورة تذكارية مع الطاقم الفني الذي أبدع في تجسيد هذه الملحمة التي صنعت الفرجة على مدار ساعتين من الزمن من خلال الأداء المتميز لطاقمها الفني وقد ساهم في إنجاز هذا العمل الملحمي الضخم نخبة من الأدباء والمثقفين والفنانين على غرار الدكتورة إنعام بيوض والشاعر جمالي فوغالي وبدر مناني وبلقاسم زيطوط الذي أدى دور أبو المهاجر دينار« وكذا الملحن محمد بوليفة في حين تقاسم أدواره الرئيسية كل من إبراهيم رزوق وجميلة بحر وبن خليفة عبد الباسط ومحفوظ بركات وباديس فضلاء وفايزة أمال ولمياء بوسكين هذا بالإضافة إلى مشاركة فرقة الديوان الوطني للثقافة والإعلام وطلبة مدرسة "ألحان وشباب" وكلهم تألقوا في هذا العرض الذي أعجب به الحضور والضيوف على حد سواء وتميز بدقة الأداء وجمال الديكور الذي تخللته مؤثرات بصرية زادت من جمالية الملحمة تناسقت فيه الصورة مع الخشبة التي تزينت باللباس التقليدي الذي يعكس أصالة كل منطقة من وطننا الشاسع على حدة.