تشهد ساحة الشهداء بالعامرية المحاذية لمقر البلدية ، إقبالا كبيرا من طرف الشيوخ و المتقاعدين من أبناء العامرية ، منذ الصباح الباكر ، فهي القبلة المفضلة لهم رغم تدهور وضعيتها فقد كانت إلى وقت قريب تمتاز بجمال خلاب ، ومناظر رائعة تستهوي وتجلب كل زائر لها ، كانت تنعصها مياه النافورة المقابلة لمقر البلدية التي لم يبقى منها سوى الجدران ، ورغم هذا لم يهجرها هؤلاء الشيوخ والمتقاعدين لأنه ليس لهم مكان يأويهم سوى هذا المكان الذي يتلاقون فيه ، ويتبادلون الأحاديث ويتذكرون الذكريات الجميلة ، بعيدا عن صخب المقاهي ، وخشوع المساجد ، يمكنهم في هذه الأماكن الإنفراد ببعضهم البعض في الحديث بدون حدود ولا قيود وتجد صنف منهم يلعبون لعبة الدومينو أو الداما ، ويشتد التنافس بينهم ، وآخرين يكتفون بالمشاهدة و التشجيع فقط ، إنها لحظات جميلة أن ترى هؤلاء الأشخاص حلقا حلقا في هذه الساحة وبالضبط في الحديقة المحاذية لمسجد أبي أمامة مقابل مقر البلدية ، فبعد جولة خفيفة في السوق المغطاة للخضر والفواكه وإقتناء الحاجيات الضرورية للبيت ، يتنقل الحاج بن جريو عبد القادر ، الذي يقول أنه ينهض مع صلاة الفجر ، ويبقى في البيت بعد العودة من المسجد إلى حين طلوع الشمس ، تبدأ الحركة ، يقول أخرج من المنزل بعد أن أدون في رأسي كل ما يحتاجه أهل الدار كما يقول من أمور ضرورية أو أغراض و حاجيات ، لأتوجه مباشرة إلى السوق المغطاة للخضر والفواكة وأتجول بالمسمكة فإن كان سعر السمك خاصة السردين في المتناول أقتني كيلو أو إثنين و إن كان الثمن باهض مثلما هو الحال هذه الأيام ، فأكتفي بالخضر ، وبعض الفاكهة الموسمية ، ثم بعض الحاجيات الأخرى ، أحيانا أبحث عن أحد الأطفال من ابناء الجيران لأبعث معه المقتنيات ، لأني لم أعد أقوى على المشي كثيرا ، ثم أتوجه مباشرة إلى الكراسي المخصصة لنا بساحة الشهداء مقابل مقر البلدية ، لأجلس أحيانا أصل أن الاول إلى المكان وأحيانا يسبقنا أصدقائي الشيوخ ، فنتجاذب أطراف الحديث ، ونتذكر بعض الأمور الجميلة و نسأل عن أي واحد منا يتغيب ، لأننا في مرحلة الهبوط في السن ، فالأمراض تفعل فعلها فينا ، لهذا نسأل دائما عن بعضنا البعض ، أحيانا من لديه فرح أو وليمة ما ، فالمكان المناسب الذي يجد فيه كل أصدقائه وأحبابه هم هذه الساحة ، فيتم فيها دعوة من يريد أن يشاركوه الفرحة أو الوليمة ، كما أنا هذه الساحة كانت دائما مكان للتزويج وعقد القران ، فكثيرا من الشيوخ ، الذين طلبوا يد بنات أصدقائهم خلال الحديث معا بهذه الساحة ، فيتم التزويج فيها ، كما يتم أيضا إصلاح ذات البين وفك النزاعات بين المتخاصمين بهذه الساحة أيضا ، وإذا رأيت أنا أعداد قليلة متواجدة بهذه الساحة العمومية الكبيرة فاعلم بأنه توجد جنازة في مكان ما ، فلا يتفرقون إلا عندما تكون هناك جنازة تجد نزر يسير منهم باقي بالساحة ، بينما يتوجه الجميع إلى تشييع الجنازة ، وأغلب الأوقات التي ترى فيها السحاة عامرة بهؤلاء الشيوخ والمتقاعدين ، هي وقت الصباح من السابعة صباحا إلى الزوال ، ثم في المساء بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب ، وأحيانا تجد أعداد قليلة منهم بعد صلاة العشاء في فصل الصيف عندما تشتد الحرارة ، وهناك فئة من هؤلاء الشيوخ يفضلون المقهى ، فهناك مقهى خاص بهم ، يجلسون فيه ، ، وهذا المقهى منذ سنوات قديمة رغم إخلاف وتعاقب ملاكه ، إلى أنه ظل المقهى المفضل للشيوخ إنه مقهى الحاج بلفراك بارودي رحمه الله بوسط المدينة ، ، وهناك آخرين من فئة المجاهدين ، الذين لهم مقهى خاص قرب ساحة الشهداء ، يجلسون فيها ، و يناقشون أمور السياسة وأحوال البلاد ، هذه هي ساحة الشهداء بالعامرية ، الساحة العمومية التي كانت منذ عهد الإستعمار الفرنسي بالجزائر ، المكان المفضل للشيوخ من المعمرين الفرنسيين حيث كانت ممنوعة في تلك الفترة على الجزائرين إلا بعض الموالين للسلطة الفرنسية ، ولكن بعض الإستقلال ، إستوطن الشيوخ تلك الساحة ، التي وضع فيها النصب التذكاري لشهداء المنطقة ، وكانت لسنوات محاطة بالسياج ، لا يتم الدخول لها ، ومزينة بالورد والأزهار ، لكن بعض نزع السياج ومع قلة التربية والحياء ، وغياب الثقافة ، تدهورت أحوال هذه الساحة ، التي أصحبت أرضيتها مهترئة ، ويناشد هؤلاء الشيوخ أن يتم تهيئتها لأنها المأوى المفضل لهم ، وبالإضافة إلى أنها تحمل ذكريات جميلة منذ العهد الإستعماري ، الساحة يقسمها الطريق الرئيسي ، ولكنها مزينة بشكل جميل ، وبها كل الضرورية من أشجار. استرجاع الذاكرة وبقايا الزهور ، إلى أن قلة الكراسي المخصص للجلوس تثير إستياء المواطنين لأن الكراسي الموجودة منذ عهد الإستعمار ، لهذا يكتفي بعض الشيوخ بالجلوس على الأرض بعد وضع الكرطون ، وإفتراشه ، ورغم أن هذه الساحة مقابل مقر البلدية إلى أنها خارج إهتمامات المسؤولين تماما ، ورغم أنها المحرك الرئيسي للبلدية كلها فهي قبلة المترشحين للإنتخابات ، والراغبين في الزواج ، والمقبلين على إقتناء أو كراء المنازل إنها مكان يضم كل الأمور المتعلقة بالحياة اليومية لسكان بلدية العامرية ، وحتى الشيوخ القاطنين بالقرى والدواوير المحاذية يجدون ضالتهم بهذه الساحة العمومية ، وفي الليل تتحول إلى ملجأ لبعض المرضى و المتشردين الذين يجدون الدفء والهدوء بها ، فتراهم ينامون في الكراسي الموجودة بها ، لهذا ينبغي الإهتمام بهذا المكان المقدس الذي يضم شريحة مهمة من المجتمع أفنت أعمارهم في تربية جيل جديد ، و حررت البلاد والعباد ، وهي لا تستحق اليوم حتى مكان هادئ لراحة البال . تعتبر ساحة الشهداء بالعامرية أيضا ملاذا للعائلات ، حيث يقوم أرباب العائلات بإصطحاب أبناءهم للتنزه ، و تناول المثلجات الباردة عند المحلات المحاذية للساحة ، حيث تصطف العائلات ، و يمتزج جمال الطبيعة مع المذاق الحلو للمثلجات الباردة عند محل مثلجات المقري حميطو أو مثلجات الساسي نور الدين ، الجميع يسعى للإستمتاع بالجلسات الحميمية ، و المكان الهادئ الذي يخيم عليه بعد غروب الشمس ، تزداد الحركة في فصل الصيف ، الجميع يخرج لإلتقاط البرودة و الهروب من لفح و حرارة الشمس في البيوت ، يتجاذب الحاضرون أطراف الحديث و يمرحون و يلعبون مستمتعين بهذه السهرات الجميلة ، كما تعتبر الساحة المكان الوحيد الذي تقام فيه الحفلات الفنية و السهرات الموسيقية ، في كل مناسبة وطنية أو الحملات التحسيسية لأنها تستقطب أعدادا هائلة ، فهي منذ عهد قديم يجتمع فيها الناس و يتداولون كل شيء ، كما أنها مكان إلتقاء بعض العائلات ببعض و فرصة للزوار و السياح لأخذ صور تذكارية جميلة ، خاصة عندما كانت النافورة تعمل و تزين ساحة مقر البلدية كانت في وقت سابق تحتوي حتى على الأسماك ، التي جعلت الاطفال يتسابقون لأخذ لصور معها ، ورغم أن هذا المكان الآن خال من كل هذه الأشياء الجميلة التي كانت تزين هذه الساحة العمومية إلى أنها لازالت المكان المفضل للعائلات ، و للكبار الذين يسترجعون أجمل الذكريات . يبقى مسجد أبي أمامة رضي الله عنه ،شيوخ و أعيان المدينة رغم أنه يقع في وسط المدينة فإنه يأتيه المواطنين من كل حدب وصوب في صلاة المغرب خاصة ، لأنهم يكونون بالقرب منه عند ساحة الشهداء الكبيرة جالسين و عندما يسمعون النداء ، ينهضون ملبين ، وحتى جماعات الدومنو و الكارتا ، ينهضون ، إلا أن أماكنهم تبقى معلومة و يعودون إليها عقب الصلاة لإستئناف الحديث أو اللعب ، هذه هي حياتهم ، و ساحة الشهداء هي المكان المفضل لديهم ، لا يتركونها إلا للصلاة أو قضاء الحاجيات أو تشييع الجنازات أو الرجوع للنوم إلى البيوت ، وفي وقت سابق كانت هذه الساحة العمومية مكان للمصلين في صلاة الجمعة ، حيث لم يكن المسجد يتسع للمصلين ، فكانوا يصطفون أفرادا أفراد من أجل أداء صلاة الجمعة و الإستماع لخطبة الإمام . تعتبر ساحة الشهداء بالمكان المبلط الذي يقع على الجهة الشرقية للساحة الملاذ المفضل لأبناء الأحياء المجاورة للساحة للإستمتاع بكرة القدم ، فتجدهم يلعبون بالكرة المستديرة في الفترات المسائية ، نظرا لكون البلاط الموجود بالساحة يسمح لهم بإقامة عروض كروية جميلة ، و تنمية مهاراتهم في اللعب ، فتجد الأطفال يأتون للعب ، وهم دائما في رحلة مع مصالح الشركة التي تحاول إبعادهم ، ولكنهم سرعان ما يعودون للعب و الإستمتاع ، كما أن هناك فئات أخرى من الأطفال يلعبون بطرق أخرى و يستمتعون ، وهناك آخرين يتفرجون فهذه الساحة كانت دوما المأوى الوحيد للكبار ، كما أنها ملاذ الصغار أيضا ، لا حدود فيها بين الأعمار الكل يلتقى على الإستمتاع بجمالها , تمضية الوقت بها ، مع الحفاظ على جمالها و نظافتها ، رغم أن حالها اليوم مؤسف ، فقد فقدت رونقها الطبيعي بفضل تصرفات البعض ورميهم للفضلات ، المساحات الخضراء بها اصبحت تتضاءل ، وبقيى الأشجار الجميلة و النخيل الطويل المحاذي لها ، وقد وعدت البلدية بوضعها لبرنامج خاص يعنى بتهيئة هذه الساحة و إعادة الإعتبار لها في هذه السنة .