يواصل الأستاذ العيد جرمان مساهمته اليوم (الحلقة II) حول شخصية ومسار الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، وذلك بالرد على إدعاءات الذين شنوا عليه حملة مغرضة في بعض الصحف، مبرزا بالدليل والمحطات التاريخية ما قام به هذا المجاهد والقائد الرمز في سبيل حرية وإستقلال الجزائر (...). 5 عن الثوارات العربية القائمة حاليا: قال ما ملخصه: "أنه لا يرى أن ماهو قائم الآن في بعض البلدان العربية هو ثورة، وخاصة ما وقع في تونس إذ ليس في مقدورهم (التوانسة) أن ينجزوا ثورة حقيقية، ولات يقارنون بالمغاربة" (أ.ه). هذا التحليل يؤيده فيه مع التزايد المعارض الشرس توفيق بن بريك (تونسي) ففي تصريح له لجريدة الشروق اليومي (الجزائرية نشرته في 15 / 05 / 2001 ص6) قال: عن أحداث تونس: "....لم نحقق شيئا... في السابق سرقوا الثروة واليوم يسرقون الثورة... هربنا من محاكم بن علي لنسقط في المحاكم العسكرية..." الزعيم في حكمه القيمي، يكون قد استند على التاريخ الحديث، فتونس ومنذ إحتلالها بالحماية الفرنسية بإتفاقية "باردو" سنة 1881 (51 سنة بعد إستعمار الجزائر) لم تقم فيها مقاومة بحجم مقاومات وثورات الجزائر والمغرب أيضا، ففي تونس أول مقاومة كانت عن طريق حزب" تونس الفتاة" بقيادة (الجزائري) عبد العزيز الثعالبي سنة 1911، غيرأن الإنتفاضة فشلت وحل الحزب، وفي سنة 1934 كان تأسيس "حزب الدستور الجديد" بقيادة محمد الماطري، ثم كانت حركة الباي محمد المنصف خلال الحرب العالمية الثانية، قمعتها فرنسا وخلعته ونفته الى فرنسا حيث مات هناك ميتة غامضة، ونصبوا بدله إبن عمه محمد الأمين (كما نصبوا في المغرب محمد بن عرفة، بعد نفي إبن عمه الملك محمد الخامس الى مدغشقر في 20 / 08 / 1953) وبعد الإستقلال عزله بورقيبة وأعلن الجمهورية سنة 1957 وأصبح هو رئيسها، وهو ما يعني أنه لم توجد في تونس مقاومة في حجم مقاومة الأمير عبد القادر أو بوعمامة في الجزائر، وعمر المختار في ليبيا، رالأمير عبد الكريم الخطابي في المغرب، ولا ثورة تحرير بحجم ثورة الفاتح نوفمبر في الجزائر أو (حتى ) المقاومة المغربية بقيادة (الجزائري) د/ عبد الكريم الخطيب (التلمساني) فالتوانسة بطبيعتهم مسالمون ومتسامحون. والرئيس صاحب تجربة وفكر، وهو يفرق لغة واصطلاحا بين الثورة والإنقلاب، ما يقع الآن من أحداث في بعض بلدان العالم العربي، هو إنقلاب على الحكام، لتغييرهم بآخرين علهم في مستوى طموح الجماهير العربية وتطلعاتهم المستقبلية، أما الثورة فقد تكون إجتماعية أو سياسية أو إقتصادية وثقافية، وتعني تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية، وهي كما تختلف عن الإنقلاب تختلف عن حرب الإستقلال، وحرب الجزائر في 1954 كانت تجتمع فيها كل العناصر المذكورة. 6 أصدر الحكم القيمي عن الجنرال دوغول: "وصول الجنرال دوغول الى حكم فرنسا كان له وقع حسن، فهو أفضل من الآخرين، وأن تقديره له لا علاقة له بالوسام والنياشين التي إستحقها من دوغول على إثر بصماته في حملة مونتي كاسينو أثناء الحرب العالمية الثانية "(أ.ه) عابوا عليه أن يقول ذلك عن دوغول (لا أعرف أن كان ذلك كرها في دوغول أو في بن بلا) غير أن أقوالهم سطحية، فرجل قوي مثل الزعيم بن بلا لا يريد أن يكون خصومه ولا أعداؤه إلا من الأقوياء، فالعيب أن يقابل القوي الضعفاء، وقديما قيل "عدو عليم ولا صديق جاهل" ويفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه " فلا شرف لبن بلا أن يبارز الضعفاء وهو من يقول (في شهادته على العصر من قناة الجزيرة خلال سنتي 2002 / 2003، أنه ورفاقه الثلاثة: آيت أحمد وخيضر وبوضياف، لم يكن بيطاط قد نقل إليهم من سجنه في الجزائر، قد فرحوا عندما جاء جنرالات فرنسا بقائدهم دوغول للحكم، فرحوا للإعدام بالرصاص فهو في خطابه الأول تكلم عنهم وقال أنهم عسكريون، ومعروف أن العسكري يعدم بالرصاص، وغير العسكريين كانوا وقتها يعدمون بالمقصلة كما أعدم أحمد زبانة ومئات آخرون) ويقول التاريخ العربي أن في وقعة بدر (يوم الفرقان يوم إلتقى الجمعان)، أخرج جيش قريش ثلاثة من أبطاله وهم "عتبة بن ربيعة وإبنه الوليد وأخوه شيبة، وأخرج المسلمون ثلاثة فتية متطوعين من الأنصار، غير أن القرشيين رفضوا مبارزتهم وطلبوا من الرسول محمد عليه السلام أن يخرج لهم أبطاله من قومهم، فأخرج لهم أكفاءهم فكانوا: حمزة وعلي وقريبهم عبيدة. الكفاءة مطلوبة في الرياضة وفي المفاوضات وفي الزواج وفي الحروب أيضا، في الصداقات كما في العداوات، وعند الأغبياء تستوي الأشياء، وعند العميان تستوي الألوان. الرئيس بن بلا كان له أصدقاء وخصوم وأعداء، ومن أصدقائه كان عبد الناصر وتيتو وخرتشوق وماو وكاسترو وسيكوتوري ونيكروما والملك إدريس الأول ورئيس حكومته مصطفى بن حليم... الخ ومن الثوار: تشي غيفارا ونيلسون مانديلا وعبد الكريم الخطيب وعبد الكريم الخطابي وصالح بن يوسف، الخ ومن الخصوم الرئيس الأمريكي جون كينيدي والحسن الثاني وبورڤيبة، وكان دوغول عدوا قبل الإستقلال وخصما بعده، وكان على خلاف كبير معه بسبب إتفاقيات إيفيان المجحفة خاصة في بعض جوانبها العسكرية، فبعد أن وافق الرئيس دوغول على إجراء تجارب نووية في صحراء الجزائر، عملا بتلك الإتفاقيات، علم بها الرئيس بن بلا وطلب منه إلا يجريها غير أنه رفض، فكان رد فعل الرئيس عنيفا، أيضا بإصداره قرارات مارس 1963 المعروفة بالقرارات الإقتصادية، ومنها خاصة تأميم أراضي المعمرين الفلاحية والسكنية وأملاك صناعية وحرفية وكل ما تركوا أملاكا في الجزائر، بعد أن كانت حالتها القانونية أملاكا شاغرة. قال شاعر: تلك أثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا الى الآثار أن الكواكب في علو محلها لترى صغارا وهي غير صغار وختم تصريحه لأسبوعية جون أفريك بقوله بأن فرنسا ارتكبت خطيئة تاريخية بإستعمارها الجزائر، (كما ارتكبت الولاياتالمتحدةالأمريكية خطيئة أيضا لينقرض الهنود الحمر هناك) وعليها أن تعمل على تصحيحها. ملاحظات عابرة: 1 المردة وثلاثي الأثافي: إجتمعت القماقم كما تجتمع أحجار الأثافي (هي أحجار الكانون، تنصب فوقها القدور وتصطف الأعواد في ثلاثة صفوف تلتقي برؤوسها وتشعل النار بشيء من القش) ومن أفواه القدور خرج المردة، تجسد،وا في الهواء ونطقوا بالهوى، ومن أولئك المردة قام أحدهم ونفث خوارقه، ويذكر أنه مصاب بالشيخوخة ولذلك قال "أنا الفاتح نوفمبر وأن فاتح نوفمبر تقرر في القاهرة" وانهال باليوم على وسائل الإعلام كلها وخاصة التليفزيون على سكوتها عن الرد على تصريحات الرئيس، وشدد اللوم على المنظمة الوطنية للمجاهدين. وصدق الإمام الشافعي في قوله و منزلة السفيه من الفقيه * كمنزلة الفقيه من السفيه إذا غلب الشقاء على سفيه * تقطّع في مخالفة الفقيه وفي نفس اليوم خرج آخر وهو السيد ياسف سعدي في تصريح لجريدة الشروق اليومي نشرته في 19 ماي 2011 ص 6 وقال في خرجته الجديدة وبمناسبة الحملة العشواء "أنا من ادخل بن بلا الى العاصمة، قادما من تلمسان، ونحن من ضمنا له الحماية" ومع كل أسف، هذا القول كرره السيد ياسف عددا من المرات في السابق، وهو مع الأسف أيضا أنه قول غير صحيح، فالذين ضمنوا الحماية للزعيم بن بلا لدخول العاصمة هم مجاهدو الولاية الرابعة التاريخية بقيادة العيد حسان الخطيب، وهي الولاية التي كانت وجهت الدعوة الى الزعيم بن بلا للإلتحاق بالجزائر العاصمة عندما زاره في الرباط كل من العقيد حسان يوسف الخطيب والطبيب سعيد (أرزقي حرموش) كان ذلك في 07 / 07 / 1962 (الأستاذ علي هارون "صيف الفتنة في الجزائر 1962" منشورات القصبة 2000 ص 231) بالإضافة طبعا الى إتفاق 02 / 08 / 1962 بين قيادة الولاية الثالثة: بوضياف، كريم ومحند أو الحاج وبين المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني، ممثلا بخيضر وبيطاط، وفي الغداة 8/3 دخل المكتب السياسي بقيادة رئيسه أحمد بن بلا العاصمة، واستقبلتهم جماهير العاصمة إستقبال الأبطال، وأصبح المكتب السياسي هو السلطة الشرعية في الجزائر، يحكم الجزائر بالتنسيق مع الهيئة التنفيذية المؤقتة للرئيس عبد الرحمان فارس، وعقد إجتماعه الأول يوم 4 من نفس الشهر ووزع مهمة الحكومة على أعضائه، والرئيس بن بلا هو من أدخل جيش بومدين الى الجزائر العاصمة، يوم 4 سبتمبر 1962، بإتفاق مع قائد الولاية التاريخية الرابعة العقيد يوسف الخطيب (حسان) بعد مناوشات دامية بين الجيش بقيادة بومدين وجنود الولاية التاريخية الرابعة، وبذلك فلا فضل لأحد على دخول الرئيس بن بلا الى العاصمة، وهو من له الفضل على الآخرين. 2) من لهم أغراض بائسة خارج القانون، جندوا بعض الصبية خارج القانون، أطلقوا على أنفسهم تسمية "حركة الشبان المستقلين من أجل التغيير " نشروا بيانا في إحدى الجرائد قالوا فيه ما لا يليق في حق الرئيس بن بلا، غير أنه كلام هذيان إن كان لصبيان، ولا معول عليه إن كان لكبار غلمان، وهو ما يذكرني بقول الشاعر صفي الدين الحلي: »إن الزرازير لما قام قائمها * توهمت أنها صارت شواهينا« 3) أحد حملة الحطب يذكرني إسمه بإسم بناي واعلي، زعيم "القضية البربرية" سنة 1949، وهو من قام العقيد عميروش بإعدامه خلال ثورة التحرير بتهمة "النزعة البربرية" وأخر يذكرني بإسم علي مهني وهو من أطلق عليه الرصاص صاحب إتفاقيات إيفيان كريم بلقاسم فأصابه، كان ذلك سنة 1949 وبنفس التهمة " النزعة البربرية" ومن الصحافيين من أطلق عليهم الرئيس بن بلا وصف "الشيّاتين" كان ذلك سنة 1990، ووصفهم الرئيس بوتفليقة ب "طيابات الحمام" سنة 1999، كما وصفهم السيد رابح بن شريف ب "القناطر" سنة 1991. 4) بعض المعربزين (des arabisants) لم يتخلفوا عن الوليمة، لبسوا جلابيبهم وتأطبوا شرا وأشهروا مناجلهم وعصيهم على سيدهم، والويل لهم أنهم لا يعرفون أن بن بلا ورفاقه من الأحياء ومن الشهداء هم الذين جعلوا منهم مثقفين ولولاهم لبقوا كما كان أجدادهم فلاحين في مزارع الكولون (الأقدام السود) اقنانا يحلبون الماعز وينظفون "حظائر الحلوف". 5) من صنع التاريخ ليس في حاجة الى من يذكره بما كان عليه أن يقوله، أو بما كان عليه الا يقوله. ( كما فعل لزرق بطة ولحمر بن قطة)، هذا يأخذ عليه مخالفة الواقع ويذكره باللياقة، والتواضع والآخر يلومه على أنه قال ل" جون افريك" أن الشعب الجزائري صعب المراس، يعاني من يحكمه من آلام الرأس، ويذكره هذا الشاعر. بأنه ما كان عليه أبدا أن يقول أن الشعب الجزائري "واعر". موقف هؤلاء النصحاء يذكرني بقول الشاعر بشار بن برد: »اعمى يقود بصيرا، لا أبالكم * قد ضلّ من كانت العميان تهديه« 6) قيادة جبهة القوى الإشتراكية كانوا حكماء، فقد طلب منهم بعض الصحافيين، قول كلمة في التصريح الذي أدلى به الرئيس السابق أحمد بن بلا في حق زعيم الحزب السيد آيت أحمد حسين، عن دوره في عملية السطر على بريد وهران، وفي قوله عنه "بأنه كان قبائليا أكثر من جزائريا" غير أن قيادة الحزب رفضت التعليق، وأفادتهم بأنها أرسلت تقريرا الى الزعيم آيت أحمد وتركت له الإختيار للرد المناسب في أمور هي ذات أبعاد شخصية وتاريخية أكثر منها سياسية (جريدة الخبر اليومي 12 / 05 / 2001 ص / 07) لا يكون قد أخطأ في حق بعض الصحافة من أطلق عليها تسمية " طيابات الحمام" إنما يكون قد أخطأ فعلا من يريد أن يشعل فتيلا بين زعيمين يعرفان بعضهما منذ حوالي 60 سنة، وقد مرت عليهما مصاعب وشدائد تصادقا وتخاصما ثم تصالحا، اختلفا ثم إتفقا، كان ذلك كله بسبب المصلحة الوطنية، وتعدد الرؤى وتدخل المنافقين من نوع "طيابات الحمام" ولم يبلغ بهما الأمر أن تعاديا أبدا، قال أبو فراس الحمداني: وجميل العدو غير جميل وقبيح الصديق غير قبيح وقال آخر : »ضدان لما استجمعا حسنا* والضد يظهر حسنه الضد« 7) مشكلتنا أنه يوجد عندما من لا يرى غير أحد اللونين: الأسود أو الأبيض ومن الأجوبة "نعم" أو "لا" على طريقة الإستفتاء دون تحفظ أو تصحيح أو تعليق أو إستثناء أو سكوت.. الخ وإلتزام التطرف: يمين أو يسار، ولا يرون في التاريخ إلا مع أو ضد حسب المعادلات الآتية: الأولى: مع بن بلا وضد عبان أو العكس، مع الحكومة المؤقتة وضد قيادة الأركان العامة أو العكس، مع بن بلا وخيضر وضد آيت أحمد وبوضياف أو العكس، مع إختطاف بن بلا ومن معه أو العكس. الثانية: مع بن بلا وضد الحكومة المؤقتة برئاسة بن خدة أو العكس، مع بن بلا وجيش الحدود والولايات الأولى والثانية والخامسة والسادسة وضد الثالثة والرابعة أو العكس، مع بن بلا وضد آيت أحمد وبوضياف والمتمردين على الدولة أو العكس. الثالثة: مع بن بلا وضد بومدين في خصوص الضباط المستوردين أو العكس، مع بومدين في الإنقلاب عن بن بلا أو ضده، مع محاولة إنقلاب الزبيري على بومدين أو ضدها. الرابعة: مع بن جديد في تصفية الموالين لبومدين أو ضدها، مع معارضة بن بلا أو ضدها، مع إنتفاضة 05 / 10 / 1988 أو ضدها، مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس ) أو ضدها. الخامسة: مع الإنقلاب على بن جديد أو ضده، مع مصالح الأمن في مواجهة الفيس والحركات المسلحة الأخرى أو ضدها، مع عروش القبائل أو ضدها. المعادلة الأخيرة: مع مطالبة فرنسا الإعتذار عن جرائمها في الجزائر أو ضدها، ومع السعي لكتابة التاريخ الصحيح للجزائر في العهد الحديث أو إبقاء الأمور كما هي . قال الشاعر : »من لم يع التاريخ في صدره * لم يدر حلو العيش من مره« (يتبع)