كان العرب قبل الإسلام في تناحر دائم، وحروب طاحنة لأتفه الأسباب، تحكمهم العصبية القبلية، والنعرات الجاهلية، كما كان بين الأوس والخزرج، إلى أن جاء الإسلام، فأطفأ تلك النار، فألف بينهم على أساس الدين والإيمان ، قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) (آل عمران:103). فالعصبية: هي مناصرة من يهمك أمره في حق أو باطل، وقد نهى الإسلام عن التعصب لأي رابطة غير رابطة الدين والعقيدة، واعتبر الحمية والتعصب لغير رابطة الدين دعوة جاهلية، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( قد أذهب الله عنكم ُعبِّيَّةَ الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي والناس بنو آدم وآدم من تراب ) الترمذي ، وقوله أيضا : ( من قُتِل تحت راية ُعمِّيَّةٍ يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلة جاهلية ) رواه مسلم عبية : أي الكِبر فالإسلام قَّرر حقيقة واحدة يتعامل الناس بها، هي رابطة الدين والأخوة، وأن التفاضل بينهم يكون بالتقوى، لا بالعرق، ولا بالجنس، قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) (الحجرات:10)، فهذه الآية وأمثالها في القرآن تدل على أن النداء برابطة أخرى غير الإسلام، كالعصبية المعروفة بالقومية، وغيرها من الروابط لا يجوز. ولقَدْ آخَى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصارأُخوةً، قامَتْ ولأوَّل مَرَّةِ في تاريخ العرب مقام أُخوَّة الدمِ والنسبِ، فقام الحبُّ والإيثارُ مقام العصبيَّة القبليَّة والحَمِيَّة الجاهِليَّة، فذابت كل العصبيَّاتُ وسقطت فوارِق اللون والدم والوطن، ولمْ يبق إلا حميَّة الإسلامِ، قال تعالى: ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) (الأنفال:63). وللعصبية القبلية، والنُّعرات الجاهلية، مظاهر كثيرة من أبرزها : الفخر بالأحساب والأنساب. – الفخر بالانتماء إلى الأرض والعرق . – الفخر بالانتماء إلى الأحزاب والقبائل التقسيم الطبقي للمجتمع. تعيير الآخرين في خَلْقهم وأشكالهم. نصرة أفراد القبيلة في الحق والباطل، كقول قائلهم : وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد. وكما أن للعصبية مظاهر، فكذلك لها آثار سيئة، على الفرد والمجتمع، من أهمها: – الوقوع في الحقد، والغل، والكراهية، والتباغض، والقطيعة بسبب التعصب للقبيلة، أو الجنس، أو النسب أو اللغة أو غير ذلك . – إيقاع الوهن والتفكك في جسد الأمة الإسلامية. – طمع الأمم في أمة الإسلام، لأنها أصبحت أمة ضعيفة الجسد بسبب هذا التمزق والتشرذم . وفي الختام فكلُّ دعوى بغير الإسلام والإيمان، فهي دعوى جاهلية، وكل رابطة تقوم على غير أساس الدين والإيمان، سواء كانت باسم الآباء، أو الأجداد، أو الجنس، أو الأرض أو النسب على ضوئها يكون الولاء والبرآء، والتعاون والتنافر، فهي دعوى جاهلية يمقتها الإسلام، ويصفها بالمنتنة.