في ديوانه الأخير نفحات قلب الصادر في الأسابيع القليلة الماضية، عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، يبوح لنا الشاعر ماجد الدجاني، بما يختزنه قلبه من حب، حب الله والحياة، حب الزوجة والأبناء، حب الشعب والوطن، وحب الانسانية جميعها، وإيمان بالقضاء والقدر. وشاعرنا ذو قلب كبير مليء بالحب والغضب والحزن، وفي ديوانه هذا يبوح بمخزون القلب من حب وحزن، وكأنني به يبعث رسالة حب للبشرية، فالرجل الذي لا يحب امرأة، والمرأة التي لا تحب رجلا كلاهما لا يحب الحياة، ولا يحب الوطن، ولا يحب الإنسانية، فعلى هذه اأرض ما يستحق الحياة. وهذا فهم راق لرحلتنا القصيرة والممتعة والشاقة في هذه الحياة الفانية، فبالحب يسمو الإنسان، ويبني عالمه السعيد. ويأتي ديوان شاعرنا هذا بعد نكبته وفاجعته بفلذتي كبدهثائر ومحمد وبوالدتهما زوجة الشاعر، وبالتأكيد فان رسالة الحب هذه لم تأت عفو الخاطر، بل هي تعبير عن لواعج اختزنها قلب شاعرنا، وها هو يبوح بها مطبوعة ومنشورة في كتاب، فهل يأتي هذا من باب تعزية الذات، أم مكابرة من شاعرنا الذي يعتصره الألم؟ وفي الواقع فان من يعرف شاعرنا عن قرب، يرى أنه يعيش فاجعة فقدان الأحبة، ولا غرابة في ذلك، فماجد إنسان من لحم ودم، فقد ابنه ثائر وحاول أن يدفن أحزانه، أو بالأحرى أن يبقيها دفينة في قلبه، وحاول أن يتعالى على جرحه الغائر، بانيا آماله على الابن الثاني محمد، وشاء قدر الله وقضاؤه أن يفقد محمدا أيضا، وتتوالى المأساة بفقدان الزوجة أثناء تأديتها فريضة الحج بصحبته،فردا كسيف أصدأته يد الزمان بقيت أبحث عن رفات الذكريات ص43. ويقول أيضا: بقيت فردا مثل سيف أصدأته يد المصائرص76لكن شاعرنا شديد الإيمان بالله وقضائه وقدره، تحمل ما تنوء بحمله الجبال: فوق احتمال الجبال ما عانيته***من في الدّنى ما قد لقيت يطيق ص24. وماجد صابر على ما ابتلاه به الله، وهل هناك بلوى أشد على المرء من فقدان الزوج والولد؟لم تحمل سفينة مهجتي يوما الى الجوديّ...لمولم يفارقني الألمص48 ويقول:لم يترك الإعصار بحري في سكون هذا أنا سيل من الأحزان يجرف مهجتي ونزيف دمع في العيون ص60. ويسمو ماجد ويتعالى على البلوى والفجيعة، ويكتب في الحب، وهو بهذا يعود الى الزمن الجميل الذي كان، فيبوح بمكنونات قلبه من الحب الدفين، فهو يتغزل ويرثي، يفرح ويحزن، يتفاءل ويتشاءم، لكن أنّى للحزن أن يفارق القلب المحب .الهمّ من فوقي وتحتي قابع***والبؤس بي والنازلات تحيف ص24 وفي لحظة يأس يغلفها الحزن يعود الى ذكرياته الجميلة فيقول: لم يبق لي غير البكاء على الطلل مات الأمل لم يبق لي إلا كهوف الذكرياتص45. وشاعرنا الذي كان يحلم بأن يفرح بزفاف ولديه، يتذكر ذلك الحلم الجميل أثناء حضوره حفل زفاف فيقول ملتاعا: لو كان عرسمحمد هذا الذي أنا فيه أو لو كان زفاف ثائرهل تخسر الأقدار لو يوما فرحت وما عليها خسائرص76 ويبلغ الحزن مداه عند شاعرنا، وعدم مفارقته له، فيشبهه بمستوطنات المحتلين المقامة على الأراضي الفلسطينية بقوة السلاح، هذه المستوطنات الكريهة والبغيضة التي ترفض الرحيل، رغم رفض شعبنا ومقاومته لها:والحزن بات يقيم دولته بأرضي عنوة يلقي على الروح الأوامر ويؤسس المستوطنات ويرفض الإخلاء، يرفض أن يغادرص77. وواضح أن المآسي المتلاحقة على شاعرنا بفقدان ولديه وزوجته، قد جعلته يفتقد البسمة والفرح: زمن يحاصرني بكل مصيبة وصنوف دهري كل مرحلة تحاصر وكأنما غدت ابتساماتي بعرف الدهر من إحدى الكبائرص78 نسأل الله أن ينعم شاعرنا بالفرح والسعادة، وأن يحفظ له شيماءه، وأجمل الأيام لم يأت بعد أيها الماجد.