يبدو أن دوامة تغيير المدربين في البطولة المحترفة الأولى لا يزال مستمرا رغم أن السياسية المطبقة هي سياسة الإحتراف إلا أن 33 مدربا تداول على 16 فريقا في البطولة أي ما يعني مدربين لكل فريق في 18 جولة فقط الرقم الذي يبقى كبيرا وقد لا يحدث حتى في البطولة الأضعف من البطولة المحترفة الأولى. وقد ألق هذا الموسم القسم المحترف الأول بدوار حقيقي لم يسبق له مثيل بعدما أقدمت جل الأندية على تغيير مدربيها على الأقل مرة واحدة، مما يجسد غياب الاستقرار ويؤكد فشل الإتحاد والرابطة في التخفيف من حدة هذه الظاهرة التي أصبحت تسيء إلى سمعة الأندية الجزائرية بعدما أصبحت الأكثر استهلاكا للمدربين في الموسم الواحد على الصعيد العربي والإفريقي. واشرف على تدريب الأندية ال16 أكثر من 33 فنيا، والعدد يبقى مرشح للزيادة من جولة لأخرى، بعدما أضحى مصير أي مدرب سواء كان فريقه في كوكبة المقدمة أوفي أسفل الترتيب مرهون بالنتيجة التي يسجلها نهاية كل أسبوع، فقرار إقالته أو دفعه للاستقالة دوما جاهز ولا ينقص سوى الإعلان عنه إذا ما تعرض الفريق لخسارة فادحة داخل أو خارج ملعبه أو حتى مجرد تعادل في قواعده بغض النظر عن تاريخ المدرب أو مؤهلاته التقنية أو العمل الذي أنجزه فهي أمور لا تساوي شيئا عن رئيس النادي، الذي وجد في المدرب الضحية التي بإمكانها احتواء غضب المحبين من خلال التشكيك في قدراته وعمله والثناء والمدح على خليفته الذي يرى فيه المهدي المنتظر الذي يملك عصى سحرية بإمكانه إنقاذ الفريق من الهبوط أو حصوله على المرتبة التي يريدونها. الفراغ القانوني للفاف والرابطة وراء تفاقم الظاهرة واستغل رؤساء الأندية الفراغات القانونية الكثيرة التي تتضمنها عقودهم مع المدربين لطردهم بدون دفع مستحقاتهم أو دفعهم إلى قبول ما يعرف بالطلاق بالتراضي، فيرضى المدرب بالحصول على مرتبات بضعة أشهر مقابل فسخ العقد وتفادي اللجوء إلى القضاء أو الهيئات الرسمية التي يطول انتظار فصلها في مثل هذه القضايا فضلا عما تتطلبه من تكاليف مالية باهظة مقابل معالجتها قد لا يقدر عليها المدرب خاصة أنها ليست مضمونة، كما استغل الرؤساء وجود عدد من الفنيين في حالة بطالة وآخرون يدربون أندية الدرجة الثانية واستعدادهم الدائم لخلافة زملائهم، لذلك فان منصب المدير الفني لن يبقى شاغرا في أسوء الأحوال أكثر من أسبوع، بل أن كثير من المدربين يفضلون تغييرهم بحثا عن فريق آخر لان همهم الوحيد هو الراتب الشهري، كما أن تحقيق الأندية التي غيرت مدربيها نتائج ايجابية شجع البقية على التغيير ولو أكثر من مرة على أمل العثور على الساحر، وهكذا أصبحت صلاحية أي مدرب الافتراضية أسبوعا يمكن تمديدها حسب النتائج وحسب مزاجية الرئيس أيضا. المشاكل الإدارية والمادية لها نصيبها من الأزمة والواقع أن تغيير المدرب يخفي وراءه الكثير من المشاكل الإدارية والفنية والمالية التي تعاني منها جل الأندية ولو بدرجات متفاوتة والتي تحترف الهواية وتهوى الاحتراف، مشاكل تراكمت منذ مواسم عديدة وأصبحت تحتاج إلى تغييرات جذرية، ولان ذلك شبه مستحيل في الوقت الراهن لأنه يطيح بالكثير من الرؤوس التي تنتفع من الوضع الحالي المتعفن، فان الأمر يتطلب تفادي العلاج والاكتفاء بالمسكنات، من خلال رمي كامل المسؤولية على عاتق الطاقم الفني وتحميله ما لا يطاق، وتبرئة بقية الأطراف التي تتحكم في مصير النادي وخاصة الجانب المالي منه. وباستثناء المدرب الفرنسي هيرفي رونار الذي غادر نادي اتحاد العاصمة قبيل انقضاء مرحلة الذهاب بعدما تلقى عرضا لتدريب منتخب زامبيا في نهائيات كاس أمم إفريقيا الجارية حاليا في الغابون وغينيا الاستوائية، فان بقية الأندية المعنية بهذه العلة بررت إقدامها على التغيير بضعف النتائج، وحتى أن سلمنا بذلك فانه يفترض قبل محاسبة المدرب على نتائجه وتقييم حصيلته يجب تمكينه من الظروف التي تساعده على العمل وتنفيذ برنامجه، من تعداد بشري ثري ووسائل مادية في المستوى، غير أن الواقع يختلف تماما، فالمدرب في الجزائر يعمل في ظروف اقل ما يقال عنها أنها صعبة جدا بل وكارثية في بعض الأندية التي تفتقر لأدنى المقومات ولا تحمل من النادي سوى الاسم بدليل أن بعضهما لا يتوفر على عدد كاف من الكرات للتدرب ولا على قاعات يمكن اللجوء إليها عند الضرورة، كما تحول المدرب إلى نقابة يلجا إليه اللاعبون للدفاع عن حقوقهم المالية المهضومة لأنه الوحيد الذي قد يستمع إليه الرئيس ومن القلائل الذين يمتلكون رقمه الهاتفي الشخصي الثاني أو الثالث. كما أن المدرب يشتغل تحت ضغط لا يضاهيه أي ضغط، فهو مطالب بمواجهة أهواء الأنصار، ومواجهة الصحافة التي أن فاز تقول بأنه يفوز دون أن يقدم الأداء المقنع وإذا لم يفز تقول بأنه يقود الفريق إلى الهاوية حتى لو قدم أداء أفضل من الذي يقدمه برشلونة الاسباني، وعليه أيضا مواجهة إدارة النادي التي لا تتردد في التدخل في صلاحياته الفنية وقد تجعل منه مجرد ديكور، حيث تجرده من صلاحية القيام بالانتدابات ومن صلاحية تحديد لائحة اللاعبين المسرحين وتصل إلى أن تختار له التشكيل الذي يلعب المباراة، أما من يرفض الرضوخ ويشق عصا الطاعة فلديه أكثر من طريقة لترويضه وإخراجه من الباب الضيق، فالكثير من الرؤساء لا يترددون في تحريض كمشة ممن يدعون حبهم للنادي وهم في حقيقة الأمر من المنتفعين من ماله يحرضهم الرئيس ضد المدرب حتى يستسلم وخير مثال على ذلك ما حدث للمدرب نور الدين سعدي موسم 2007-2008 في وفاق سطيف، ويلجا بعض الرؤساء إلى الرفع من سقف الطموحات لتصوير المدرب على انه لا يتماشى مع سياسة النادي. الموسم الحالي كان استثنائيا رغم أن ظاهرة تغيير المدربين وسط الموسم ليست جديدة، فقد بدأت قبل أن تنطلق المنافسة وفضل كل من موسى صايب ومزيان ايغيل والبرازيلي دوسانتوس رمي المنشفة قبل أن ترمى عليهم.
الحراش، باتنة، تلمسانوالعلمة الفرق الوحيدة الحتافظة على الإستقرار ومع توالي الجولات يتوالى معه تساقط رؤوس المدربين المحليين منهم والأجانب، ووحدها أندية اتحاد الحراش ووداد تلمسان ومولودية العلمة وشباب باتنة احتفظت بأجهزتها الفنية ممثلة في بوعلام شارف وعبد القادر عمراني ومالك حكيم والعراقي عامر جميل على الترتيب، والذين سجلوا نتائج جيدة خاصة عمراني وشارف اللذان يحتلان مع فريقيهما مراكز متقدمة. واللافت للنظر أن رباعي المقدمة كله غير المدرب وسجل مع الجدد نتائج ايجابية، فالبطل اولمبيك الشلف ومباشرة بعد استقالة ايغيل تعاقد مع نور الدين سعدي الذي قاده إلى الريادة، شانه في ذلك شان شباب بلوزداد الذي تعاقد مع جمال مناد خلفا للايطالي جيوفاني سوليناس وهوحاليا يتقاسم الصدارة مع الشلف دون أي هزيمة، كما تمكن السويسري ألان غيغر من تصحيح أوضاع وفاق سطيف الذي بدا الموسم مع الفرنسي جون كاستيلان، وقاده هوالآخر إلى إنهاء مرحلة الذهاب على عرش الدوري قبل أن يهتز بيته من في ثاني جولة من الإياب أمام مولودية الجزائر، هذا تحسنت نتائجه مع خليفة عبد الحق بن شيخه الفرنسي فرانسوا براتشي الذي انتشله من قاع الترتيب إلى الأعلى، والوحيد الذي شذ عن هذه القاعدة هو اتحاد العاصمة الذي ساءت نتائجه منذ رحيل رونار وقدوم مواطنه أولي نيكول الذي بات على كف عفريت بعد خسارتين متتاليتين من اتحاد الحراش والخروب. وتنفس مولودية وهران الصعداء مع مدربه الجديد القديم محمد حنكوش الذي عاش سيناريولا يمكن تفسيره، حيث جيء به لخلافة الفلسطيني سعيد حاج منصور وبعدما استمرت النتائج السيئة أقيل ليأتي الرئيس الجديد للنادي يوسف جباري بالمدرب سي طاهر شريف ألوزاني الذي يبقى أكثر من أسبوع ليخلفه مجددا حنكوش الذي يبدوأن النتائج الأولية للإياب في صالحه. وانتظر نصر حسين داي ثالث مدرب له لتذوق طعم الانتصار الذي تحقق تحت إشراف شعبان مرزقان في الجولة الثانية من مرحلة العودة. ولم يشفه لفؤاد بوعلي منحه لقب الوصافة لشبيبة بجاية فاستقال تحت الضغط رغم انه ترك الفريق في ترتيب جيد مباشرة بعد إقصائه مبكرا من مسابقة الكأس ليخلفه الفرنسي ألان ميشال م وحل الهادي خزار محل الأمين بوغرارة على رأس الإدارة التقنية لجمعية الخروب. وتحولت إقالة مزيان ايغيل من تدريب شبيبة القبائل من قبل الرئيس شريف حناشي بعد الهزيمة على أرضه من بلوزداد تحولت إلى قضية رأي عام في القبائل بعد وقف الجمهور بجانب المدرب ورفضوا قرارات حناشي الذي اضطر إلى استخدام كل ألاعيبه وحيله لإقناع المحبين بصحة سياسته بلجوئه إلى إسناد الهمة لأحد أبناء النادي ممثلا في مراد كعروف لاستمالة الجمهور الغاضب. وشهدت الجولات الأخيرة استقالة ثلاث مدربين، ففضلا عن ايغيل استقال كل من توفيق روابح من مولودية سعيدة ورشيد بوعراطة من شباب قسنطينة.