بين الجبال والمياه والطبيعة الساحرة بمدينة لوديف الفرنسية الريفية، وفي أجواء موسيقية وشعرية، انطلق مهرجان أصوات البحر المتوسط في دورته الخامسة عشرة بحضور سكان المدينة الهادئة الذين ينتظرون سنويا هذا الموعد، ليتواصلوا مع الشعر والشعراء والموسيقى والعروض الفنية، في تظاهرة ثقافية شعبية قلما تجد لها مثيلا. ويستضيف المهرجان في دورته هذا العام أكثر من خمسين شاعرا وشاعرة من مختلف أنحاء دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وتشارك فيه كل من مصر وفلسطين وليبيا وسوريا والجزائر والمغرب ولبنان وتونس، حسب الشاعر مارك تولوز الذي يشارك في التنظيم. وكان حفل الافتتاح الذي حضره أغلب الشعراء المشاركين وفرق موسيقية وفنية متنوعة من 24 دولة متوسطية، قد احتفى بالشعر الجزائري على وجه الخصوص وذلك لتزامنه مع الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر، وحضر على رأس الضيوف الجزائريين الروائي المعروف رشيد بوجدرة. كما شهد الحفل عرضا موجزا لبرنامج المهرجان على مدار أسبوع، حيث قدم مجموعة من الشعراء والكتاب المشاركين قراءات لبعض نصوصهم مع ترجمة لها باللغة الفرنسية. وقد كانت الثقافة العربية حاضرة بقوة، حيث قرأ رشيد بوجدرة مقتطفات من كتاباته وأجاب عن أسئلة حول الفرنكوفونية وتأثيرها على الكتابة الإبداعية. كما قرأت أيضا التونسية آمنة لوزير أحد نصوصها. وفي بادرة إبداعية تشتبك مع الشعر في رقته وعذوبته، أطلق المنظمون في نهاية حفل الافتتاح قصاصات من الورق على الجمهور ليكتشف كل من نزلت عليه أنها تحمل جملة شعرية لقامة من قامات الشعر في العالم مثل محمود درويش وأرتور رامبو وبول إيلوار وغيرهم. وقال المنظم العام للمهرجان فرانك لوبايا إن هذه الدورة تحمل طعما مختلفا، حيث تأتي بالتزامن مع الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر، وقد حرص المنظمون على تكريم هذا البلد شعريا واستضافة عدد كبير من الكتاب والشعراء الجزائريين المقيمين في فرنسا أو في الجزائر، إضافة إلى تسليط الضوء على ثورات الربيع العربي وأثرها على الكتابة الشعرية. وأوضح لوبايا أن هذا المهرجان يعد بمثابة "عيد لسكان هذه المدينة الصغيرة التي نستطيع من خلالها إشراكهم مع العالم الخارجي وتحديدا عالم الشعراء والمبدعين، والوقوف على تجربتهم الإبداعية ومشاركتهم فيها من خلال ورشات العمل التي يقوم بها بعض الأهالي بكتابة نصوص على نصوص المبدعين وقراءتها في تلك الورشات، واستضافة الشعراء في بيوتهم ونقلهم بسياراتهم الخاصة من وإلى مكان الفعاليات". وحمل اليوم الأول من الفعاليات بادرة جديدة، حيث اصطفت مجموعة من الرجال والنساء بثياب موحدة اللون ومظلات شمسية يحملون في أيديهم أسطوانة بلاستيكية يهمسون من خلالها في آذان المشاركين بأبيات من الشعر العالمي ضمنت أبياتا لدرويش وأدونيس حفظوها باللغة العربية. ومن أهم الجولات التي قام بها "الهامسون" -حسب كومتي- رحلتهم إلى فلسطين بعد وفاة محمود درويش، حيث قرؤوا نصوصه باللغة العربية في عدد من المدن الفلسطينية مثل القدس ورام الله وبيت لحم، وأوضح أن هذه الرحلة كانت أشبه بالمهمة الانتحارية حيث ذهبوا هناك عبر الأردن بدون دعم مؤسساتي، فقط من أجل أن يقدموا شيئا لدرويش وللشعب الفلسطيني، وأشاد كومتي بالاستقبال الحافل الذي وجدوه من الجمهور هناك. وفي موقع آخر بمدينة لوديف التي توزعت فيها القراءات والعروض على 24 مكانا، كان الشاعر المالطي كارل شيمبري الذي يعيش في غزة منذ أكثر من ثلاث سنوات يقرأ قصائد عن غزة، يسرد فيها مشاهداته من خلال تفاصيل يومية تغزل الشعر بالعادي فيها والذي لم يكن عاديا أبدا. وقال الشاعر مارك تولوز الذي أشرف على اختيار الشعراء، إن القصيدة كانت السبب الأساسي في اختياراته أكثر من الشاعر نفسه، وذلك في إطار محاولة تسليط الضوء على عدد أكبر من الأسماء الشابة الذين سيصبحون نجوم المستقبل.