كثيرا ما نلتقي أشخاصا صباحا وهم متجهون إلى عملهم بوجه متجهّم .. وبمجرّد حديثك معهم يبدؤون بالتأفف والتذمّر من العمل وقولهم أنّهم كرهوا العمل وسئموا من الروتين و عبارة "كل يوم كيف كيف" لا تفارق أفواههم. استطلاع : أسماء زبار ومن هذا المنطلق أرادت الحياة العربية أن تستقصي حقيقة هذا الشعور، هل سببه الكسل أم نمط من الحياة فقط؟ أم الروتين أم أنّ طبيعة الإنسان تحب التغيير؟ من هم أكثر الأشخاص الذين يملّون من عملهم؟ ولمعرفة ذالك رصدنا بعض الآراء واستخلصنا التالي. .. طموحي أكبر بكثير من عملي قالت سعاد معلّمة بالابتدائي، أنا أمل كثيرا من عملي رغم أنني من اخترت هذا التخصص لكن أحسه راكدا لا جديد فيه، كل يوم نفس الأمر، بعد 6 سنوات من العمل أدركت أن طموحي اكبر بكثير من عملي الروتيني. ..معاملة سيئة لأصحاب عقود ما قبل التشغيل من جهتها قالت ح، موظفة إدارية، في إطار عقود ما قبل التشغيل أن ضعف الراتب وكثرة الأعمال التي نقوم بها هي السبب في التكاسل والملل الذي أعاني منه، إضافة إلى تسلط بعض من المسؤولين بالإدارة التي أعمل بها علي وعلى العاملين في إطار عقود ما قبل التشغيل، كأننا "نتسوّل" عندهم، هذا ما يسبب لنا كره العمل ففي الصباح اشعر وكأنني ذاهبة للتعذيب وليس للعمل. حنان هي الأخرى موظفة في شركة خاصة في إطار عقود ما قبل التشغيل قالت في الموضوع، في البداية عندما بدأت العمل كنت جد مسرورة ونشطة، أكمل يومي في قمة السعادة والنشاط ولكن بعد مضي أربعة أشهر أصبحت اشعر بالضجر والملل في العمل بعد المعاملة التي تلقيتها من طرف بعض الزملاء في الشركة، صرت لا أطيق العمل بعد الحقرة، والضغط، وأي خطأ ارتكبه في العمل أحاسب عليه بطريقة سيئة حيث كنت أوبخ من طرف المسؤولين وكأنني ارتكبت جريمة، اضطررت إلى التوقف عن العمل بسبب هاته المعاملة التي سببت لي الملل والضجر من العمل أصلا. .. أسباب أخرى أما سلمى محاسبة فقالت أشعر بملل كبير، روتين الحياة العملية والشخصية يتكرّر كل يوم كما هو، لا يوجد تغيير، لدي 3 سنوات عمل فقط لكن أنا أشعر أنّ لدي 10سنوات، بدأت أتذمر منذ العام الأول، الحياة العملية جد مملة لا جديد فيها عكس الدراسة التي تتسم بالتجديد. من جهته قال محمد مكلف بالاتصال في شركة خاصة، سبب الملل في العمل هو الروتين الذي يرافقني يوميا إلى العمل، لأنّ الإنسان بطبعه يحب التغيير وإذا لم يحصل هذا التغيير يشعر الإنسان بالتعب النفسي والملل الذي يؤدّي به إلى كره وظيفته. أمين تاجر حرّ قال، العمل كلّه مملّ لكن هذا هو مصدر الرّزق على الإنسان تحمل هذه الحالة الطبيعية التي يمر عليها، أنا أشعر بالملل كثيرا ولكن أحاول أن أتغلب عليه بالخروج للتنزه أو أخذ القليل من الراحة، وهكذا أحلّ الأمر وأواصل العمل في راحة تامة. قالت وردة موظفة، مللت من العمل كثيرا، وكلّ صباح أرغب في عدم الذهاب، في الكثير من المرّات أتشاجر مع الناس صباحا لأنّني أكون جدّ منرفزة عند ذهابي ولا أعي ماذا أفعل أو أقول، لدى 7سنوات عمل كلها مثل بعضها، في المؤسسات الأجنبية يقومون بعدة تحفيزات للعاملين لتجنب مثل هذا الملل والضجر، كالترقيات والتكوينات، ناهيك عن العطل والإجازات في دول أخرى للسياحة. أما عبد النور موظف فقال أنّ سبب الملل من العمل عنده هو النساء بالدّرجة الأولى، فأنا أعمل في إدارة كلّ موظفيها نساء، لا أجد مع من أتبادل الحديث خاصة وأنّني لا أستطيع أن أتكلم معهن كثيرا، مللت كثيرا وقدمت طلبات عديدة لتغيير المصلحة التي أعمل بها لكن دون جدوى لم أتلقى القبول، وبعد 4 سنوات من العمل معهن أصبحت لا أعي نفسي عندما أشارك في الحديث معهن وإبداء رأيي، مؤخرا أحسست بالضجر والملل لدرجة أنّني قدّمت استقالتي لكنّ المديرة رفضت عندما صارحتها بالسبب الحقيقي فقالت أنّ الأمر عادي وسيتم النظر في إمكانية تغيير المصلحة. .. ضرورة اختيار الأسلوب الصحيح لمواجهة الضغط الناجم عن العمل قالت المختصة الاجتماعية آمال طايبي، أنّ الملل في العمل راجع إلى أسباب عديدة تختلف من فرد إلى آخر باختلاف ميوله، وبيئته، وظروفه الشخصية والاجتماعية، ودرجة ثقافته، واتجاهاته ونظرته للحياة بصفة عامة، فعندما يشعر العامل بأنّ المجهود الذي يبذله في العمل لا يساوي المقابل المادي الذي يحصل عليه يشعر بالإحباط والاستغلال، ممّا يؤثّر في نفسيته وتقل لديه الدافعية والرغبة في مواصلة العمل، كما ينقص عطاءه ومهنيته في أداء وظيفته لأنّ راتبه لا يلبي حاجياته، أو يلبي بعضها فقط. كما أنّ البعد عن التواصل الاجتماعي الحقيقي مع المجتمع المحيط بالفرد، فضلا عن عدم التواصل مع المجتمع الكبير الذي ينتمي إليه، يفقده الحماس والإبداع في عمله مما يؤدّي به إلى الدخول في حالة الملل التي تصيب معظم العاملين، خاصة في مجتمعنا. إضافة إلى غياب المهنية لدى بعض الموظفين الآخرين، وانعدام الحوار وعدم إشعار الموظف بأنّه جزء لا يتجزأ من المؤسسة، وأنّه شريك استراتيجي ومحور فعال في صنع القرار، كما أنّ التحدث كثيرا عن سلبيات العمل فقط هو من أبرز الأسباب التي تؤدّي إلى الملل منه، وأشارت المختصة أن الملل من العمل حالة طبيعية يمرّ بها الإنسان لكن عليه بمواجهتها عن طريق التغيير ولو بدرجة قليلة ليكسر هذه الحالة كأن يختار الأسلوب الصحيح لمواجهة الضغط الناجم عن العمل، ويحافظ على هدوء أعصابه وارتفاع معنوياته، وطلب المساعدة والدعم من الآخرين، كالعائلة والأصدقاء والتحدث معهم للوصول إلى حلول وطرق تخرج من هذا الملل. كما أنّ الاستمتاع بالعطل وقضائها في مكان هادئ يخلق لدى العامل جاهزية نفسية واجتماعية للعودة إلى الوظيفة بطاقة أكبر، فنحن في مجتمعنا معظم العاملين يقومون بأعمال في البيت، ترميمات، دهان..، في العطل فكيف لا يملون عند العودة إلى العمل. التحفيزات المعنوية والمادية للموظفين ترفع مستوى نشاطهم وعطاءهم المهني قال المختص النفسي بولقرع مخلوف أنّ الملل في العمل هو حالة نفسية يعاني منها الكثير من الموظفين لأسباب عديدة منها التركيز على الجانب المادي فقط، مع ما يتطلبه ذلك من استنزاف طاقات هائلة في سبيل تحقيق الربح، مهملين بذلك الجانب النفسي والاجتماعي أو الترفيهي في حياتهم، الذي يلعب دور كبير في تغيير نفسيتهم، وهو ما يؤدّي إلى الشعور المستمر بالملل، وفقدان طعم الحياة، وأكّد المختص النفسي أنّ أكثر الناس الذين يشعرون بالملل هم الذين يكرّرون الأعمال والنشاطات نفسها، ولذلك ينصح بوضع خطط لتنظيم الوقت، يتم فيها الاهتمام بالجانب الترفيهي والاجتماعي، للتخلص من السلوكات الروتينية التي لا تجلب لصاحبها سوى الإحباط والتشاؤم، كما أن استمرار هذا الشعور يقلل من الدافعية والإنجاز، ويزيد من احتمالية الإصابة بالأزمات النفسية، إلى جانب تقييد القدرة على الإبداع في العمل. وأشار المتحدث أن السبب الرئيسي للملل هو عدم استثمار وقت الفراغ وتنظيمه بشكل جيد، كما أن معظم أعمالنا روتينية وتقليدية، ناهيك عن أن التنشئة الاجتماعية الأسرية لم تعلمنا كيف نكسر الملل، فالأسرة لم تعد تشجع على المبادرة بكسر الملل، فتسهم بذلك في تفاقمه. وللملل أسباب أخرى، ومنها شعور الشخص بألوان من الإحباط الناتج عن البطالة، والوضع الاقتصادي أو السياسي، أو عن مشاكل أخرى كالخلافات الأسرية المتكررة. وأكد أنّ الملل يشعر به العاملون في القطاعات العامة أكثر من الخاصة نظرا للروتين اليومي الذي يعانون منه إضافة إلى غياب التحفيزات الإدارية التي تعطي للعامل رغبة أكثر في العمل والإبداع فيه. وللتقليل من الملل والضجر في العمل يجب تبني المبادرات الإيجابية التي تحث على استثمار الوقت، كالعمل التطوعي أو الترفيهي، الذي يصقل الشخصية وينمي الوعي. وممارسة الرياضة خاصة الرياضة الجماعية، التي تفيد كثيرا في رفع الكفاءة النفسية، وتطوير الصحة النفسية، وإزالة الاكتئاب والضجر. وأكّد المختص النفسي أنّ اكتشاف سبب الملل من العمل يسهل الحد منه عن طريق معالجة السّبب، فإذا كان هو القيام بالعمل نفسه بشكل متكرر، يجب إضافة إليه بعض الأشياء الجديدة، أو القيام به بشكل مختلف. و القيام بالتغييرات الإيجابية في بيئة العمل، فالمهام الروتينية قد تبدو أقل مللا إذا تم الاستماع لبعض الموسيقى أثناء أدائها، أو القيام بتناول الغذاء مع زملاء العمل، وتبادل أطراف الحديث والمزاح، لأنّ كل هذا سينعكس بشكل مباشر على كسر الملل وتوفير بيئة عمل مريحة للأعصاب. وتجنب الاشتراك مع الزملاء في حوارات سلبية تركز على نقاط الضعف الموجودة في العمل، فرغم أن النقد البناء يكون مطلوبا في بعض الأحيان، إلا أنّ الإفراط في الحديث عن الجوانب السلبية سيزيد من الإحساس بالملل في الوظيفة ويقلل الحماس والإبداع في العمل. ومن السبل الناجعة التي من شأنها أن تحد من الملل في العمل هو تبني إستراتيجية في تسيير الموارد البشرية في المؤسسات، عن طريق التحفيزات المعنوية والمادية للموظفين لرفع مستوى نشاطهم وعطائهم المهني، وتحسيسهم بمدى أهميتهم في المنظمة ودورهم الفعال في الإنتاج.