_تطور المسرح العربي مرهون بحرية التعبير جواد الأسدي، مخرج عراقي مقيم ببيروت، راوحت تجاربه الشخصية ما بين الألم والأمل، بسبب ظروف بلده العراق وما مر به من نكبات وحصار وحروب وانتكاسات انعكست جميعها على تجاربه المسرحية، حيث قدم أكثر من عمل مسرحي أشار من خلالها إلى التغيرات التي طرأت على الفرد العراقي ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، ويعتبر جواد الأسدي المسرح وطنه الضائع، فيصر في أعماله البحث عنه، جواد الأسدي التقت به "الحياة العربية" مؤخرا في قسنطينة وكان لها معه هذا الحوار: حوار: نسرين أحمد زواوي سبق لك وأن شاركت بالجزائر في عدة مهرجانات ومناسبات مسرحية، فهل لك أن تشخص لنا حالة المسرح الجزائري وأنت تشارك هذه المرة كمشرف على إنتاج عمل مسرحي؟ الجزائر بلدي الثاني، وسبق لي وأن زرتها في مناسبات ومهرجانات عديدة، فكانت لي الفرصة في تقديم ورشات لفائدة المخرجين السنة الماضية خلال مهرجان المسرح المحترف بالجزائر العاصمة، كما سبق وقدمت كتابي "المسرح جنتي" الذي خصصته لتجربتي الذاتية في المسرح خلال الطبعة الخامسة من مهرجان المسرح الدولي ببجاية، وما يشد انتباهي للمسرح الجزائري هو عودة إقبال الجمهور وهذا ما لم يعد موجودا في المسارح العربية، ربما بسبب الانتكاسات التي تمر بها بعض الدول العربية، فأنا دائما أشيد بالمسرح الجزائري واعتبره صانعا للفرجة فقد استطاع أن ينتزع التصفيق من قرطاج إلى دمشق، واليوم أنا منبهر بالجيل الجديد الذي سيكون له بنظري شأن كبير مستقبلا وسيواصل على درب رواده كعبد القادر علولة، بن قطاف وعز الدين مجوبي وغيرهم. رغم أنك تقيم في بيروت منذ سنوات، إلا أن جل أعمالك تحوم حول بغداد، لماذا هذا الإصرار؟ بغداد أُغلقت منذ زمن طويل، وأصبحت أبوابها مغلقة بوجه المثقفين العراقيين، ولكني خرجت من العراق، تمنيت لو كانت لي العودة إلى العراق لفتح الباب من جديد أمام المثقفين، لكن الظروف الصعبة وحالة اللاستقرار والنزاع الطائفي الدائم، أكد لي أن المستهدف هو المبدع والمثقف، سواء من الحكومة القديمة أومن النظام الأمريكي الجديد، أضف إلى ذلك أن العراقي اليوم محكوم عليه بالخوف، فكيف نضع مسرحا في بلد غاب عنه الأمن وصار الخوف عنوانا ليوميات شعبه الذي يعيش في محنة كبيرة. هل من الممكن أن تلعب الحركة الثقافية المهاجرة دورا في إعادة بناء العراق؟ المثقف العراقي بصفة عامة يعمل على تقديم بلده أينما حل، فالمسرحي جل أعمال تلامس واقعه، فعندما يضطر أي إنسان كان خارج بلده تنتابه الحسرة، فكيف إذا كان فنانا حساسيته بالأشياء أكثر، ومشاعره مركبة ومعقدة فيدفع ثمن ذلك من إحساسه الداخلي، لكن بالنسبة لي تغيرت الصورة واعتدت على هجرتي وقررت حمل ثقافتي أينما حللت، ومن قناعتي أن أقدم وطني دفاعا عن ما يحدث بداخله. ما الذي يدفعه الفنان والمثقف ثمنا لغربته؟ أكيد، الهجرة خارج الديار تفقدك الاستقرار العائلي، لكن المثقف مجبر أن يخلق لنفسه حياة جديدة لكي يستطيع أن يتأقلم مع الظروف المتاحة، لكي يصنع اسمه من جديد في الغربة، فالمثقف عليه أن يحول غربته من غربة ندب وبكاء إلى غربة إعادة إنتاج واستثمار وإعادة كتابة وتكوين وتأسيس، وذلك حتى لا يقع تحت كابوس الإحباط. كيف تنظر إلى واقع المسرح العربي اليوم؟ الصورة الآن غير واضحة وملتبسة ولا يمكن تحديد ما ستكون عليه مستقبلا، وهذا يعود إلى طبيعة الوضع السائد في العراق، أوفي أي بلد عربي أخر، فهنالك الكثير من المتغيرات التي حصلت في المجتمع العربي ولم تنضج الصورة العامة لهذه المجتمعات بعد التغيير المذكور، والمسرح هو الآخر انعكست عليه هذه الأوضاع بشكل كبير وانحسر الإنتاج المسرحي كما ونوعا، والأخطر في هذا الموضوع هو طبيعة الموضوعات التي بدأت تطرح على خشبة المسرح العربي، إذ لم يعد بالإمكان أن نتطرق إلى الكثير من الموضوعات بالحرية الكافية خوفا من جهات سياسية وحزبية ودينية متعددة ومتنوعة، لذا هنالك تردد وحذر لدى الكثيرين عندما يقدمون على اختيار أي عمل مسرحي لتقديمه، وعليهم أن يراعوا بحذر كل الأوضاع والقوى السياسية والدينية الفاعلة والمتحكمة في الشارع العربي، أنا اعتقد في ظل هذه الأوضاع السائدة في الوطن العربي حاليا والتي يغيب فيها القانون في أغلب الأحيان لا يمكن أن يحيا المسرح وينتعش بصورة طبيعية، لأن المسرح يحيا في الأزمنة الطبيعية التي لا يسود فيها الإرهاب ولا يسود فيها التكفير والتخوين الوطني، ولا أقصد بالأوضاع الطبيعية أن يكون المجتمع مرّفها اقتصاديا، إنما أقصد حرية التعبير المتاحة ومكفولة للناس، لقول ما تريد بالطريقة التي تريد دون أن تتعرض للتهديد والقتل، فالمسرح العراقي مثلا، حالته حالة المواطن العراقي الذي يتوق إلى الحرية الحقيقية، ويتوق إلى إزاحة المحتل ليعيش حياة مدنية وحضارية وإنسانية كما هو مكتوب في موروثه. هل يمكن للمسرح أن يقترح حلولا لإشكالات الإنسان المعاصر؟ المسرح عبارة عن رؤية فلسفية تحاول أن تستجلي المستور والغامض من هذا الوجود، كما تحاول أن توجد لهذا الكون معنى، ونافذة لفهمه والتعامل معه، ويشعل أنوار هذه الرؤية كل من الكاتب والمخرج والممثل والمصمم والموسيقي، أو الجماعة التي تتكاتف على "فكرة معينة" معناه أن هناك مجموعة من العناصر تشتغل، وتتعانق لتكوين هذه الرؤية الفلسفية الجمالية وترسلها إلى المتلقي، في مقترحات فنية تنتقد من خلالها بعض الظواهر السلبية التي يتكبدها الفرد والمجتمع، أو على الأقل توجد بعض الحلول لها.