جيل التسعينيات ومطلع الألفية هو واحد من أفضل الأجيال التي عرفتها الكرة الجزئرية ولا خلاف على أن أسماء دزيري، دحلب، رحيم، لونيسي، حاج عدلان، بورحلي وغيرهم كانت مميزة جدا، وإذا لم تحقق شيئا للجزائر على صعيد المنتخب وبدرجة أقل على صعيد الأندية فهذاراجع للظروف الصعبة جدا التي لعبوا فيها، ظروف البلاد الأمنية خلال العشرية السوداء التي ضربت كل شيء بما في ذلك كرة القدم... حسين عزيزان واحد من اللاعبين الموهوبين الذين برزوا خلال تلك الفترة والذي كان من ضحايا المأساة الوطنية، لاعب مر بظروف صعبة ومزرية كانت من أهم الأسباب التي جعلته لا يحقق مشوارا يضاهي موهبته، ظروف يسردها علينا في هذا الحوار المطول الذي خص به "الهداف". في البداية، نشكرك على ترحيبك بنا في بيتك وأول سؤال نوجهه لك هو هل أنت مستعد للإجابة عن كل الأسئلة التي سنطرحها عليك وهل أنت مستعد للكشف عن كل الجوانب الخفية من مشوارك الكروي؟ مستعد للحديث عن كل شيء وبمنتهى الصراحة عن كل ما يخصني، لكني سأضع خطا أحمر بالنسبة لكل ما يخص الأمور الشخصية للآخرين والتي أفضل التحفظ بشأنها، حضرت وعشت أمورا كثيرة لا أريد لها أن تخرج للعامة عبر الصحافة لأن في الحديث عنها مساس بالحريات الشخصية لآخرين ربما كانوا شبانا في تلك الفترة والآن صاروا مسؤولين عن أسر وعائلات ولا يجوز المساس بهم في الوقت الحالي. ماذا تفعل حاليا؟ ألعب لنادي حي الجبل وأسعى لتوظيف خبرتي لمساعدة هذا الفريق. ولماذا هذا النادي بالذات؟ كنت أتمنى أن أنهي مشواري في نادي الرويبة حتى أحقق رغبة شخص عزيز عليّ جدا وهو صهري الراحل عمي علي، لكني للأسف لم أحقق أمنيته لأمور خارجة عن إرادتي واخترت حي الجبل لأجل صديقي الذي يرأس النادي والذي أعرفه مدة 15 سنة، لقد ألح عليّ لتوظيف خبرتي لفائدة هذا النادي في وقت كنت أستعد فيه للتقاعد، حاليا أعمل من أجل مساعدة هذا الفريق لكن الاعتزال لن يتأخر كثيرا. أنت في سن 34 وهو سن غير متقدم على لاعب في كرة القدم ومع ذلك فضلت أن تلعب في ناد متواضع، فهل هي الرغبة في التقاعد المبكر أم أنك فقدت الرغبة والدافع في اللعب أم أن تراجع مستواك ألزمك بالنزول لهذا المستوى التي تلعب فيه حاليا... عمور في نفس سنك يلعب لمولودية الجزائر، دزيري اعتزل في سن 38، فلماذا أنت؟ الأمثلة ليست كثيرة في هذا الشأن وتعد على أصابع اليد الواحدة مثل عمور ودزيري. من جهتي، المشاكل والمآسي والمصاعب التي عشتها في حياتي الشخصية وفي مختلف الأندية التي لعبت فيها من الحراش إلى المولودية، الموك وبجاية وحتى العلمة، أثرت في ودفعتني للانسحاب تدريجيا، ما عشته لم يكن هينا، خاصة أني تحملت ضغوطا شديدة منذ سن مبكرة، بدأت مع أكابر الحراش في سن 18 وبعد 15 سنة صرت غير مستعد لتحمل المزيد من الضغوط التي تصل إلى درجة أن تجد ملعبا بكامل يشتمك. لم أعد أتحمل أكثر ولست مستعدا لتقبل تفاهات البعض هنا وهناك، خاصة أني لم أجد راحتي في الأندية التي لعبت فيها عدا الحراش ومولودية قسنطينة، البقية عشت فيها مشاكل لا تحصى، المهم أنا على الأقل وصلت لهذا السن بالجدية والإرادة، أما الجيل الجديد فليس قادرا حتى على الوصول لسن الثلاثين . يبدو أنك تعبت من كل المشاكل التي عشتها خلال مشوارك؟ كثيرا، والحمد لله أعتبر نفسي خرجت من الباب الواسع لما حققت مع الحراش الصعود الذي كان الجميع ينشده، كان بإمكاني البقاء في "الصفراء" واللعب في المستوى العالي لكني رفضت، بوعلام شارف ألح علي بالبقاء عندما تسلم الفريق لكني رفضت، خفت أن يسقط الفريق مجددا بعد كل تلك التضحيات وأتحمل الضغط مرة أخرى. هل أنت راض عما حققته في مسيرتك، ألا تعتبر أنك فوّتت مشوارا أفضل؟ بالنسبة للاعب عاش مشاكلي ومأساتي لما فقدت قرابة عائلتي بالكامل وبالنظر للظروف المعيشية الصعبة التي عشتها وتحملي مسؤولية عائلتي، أقول إني حققت الكثير، أكيد أنه كان بإمكاني تحقيق أفضل من ذلك بكثير، لكن ظروفي لم تسمح كما كان الحال سنة 1998 لما تقدّم لي نادي النصر السعودي بعرض لا يقاوم وصل لقيمة مليار سنتيم وكان مبلغا مهولا في تلك الفترة بعد بروزي في كأس العرب تحت قيادة المدرب بن شيخة، لكن مسيري الحراش رفضوا تسريحي. فوتت الكثير لكني لا ألوم نفسي لأن الظروف التي مررت بها كانت صعبة وقاسية وأي لاعب في مكاني أكيد أنه كان سيعتزل كرة القدم مبكرا جدا. لنبدأ من البداية، من أين ينحدر عزيزان، ما هي أصولك؟ أنا من منطقة بوقرعة في براقي، لكن أصولي من بني سليمان بالمدية، جدي انتقل خلال الخمسينيات لبراقي واستقر في بوقرعة وجلب معه أفراد العائلة كلها، والدي وأعمامي ولدوا هناك وأنا أيضا. وكيف ولجت عالم كرة القدم ووصلت إلى الحراش؟ في الحي بصفة عادية، ثم في المدرسة التي كنت أدرس فيها إلى غاية اليوم الذي واجهنا فيها نادي مدرسة النجاح في الحراش وهنا لفتت انتباه لونيسي وهو إنسان لا علاقة له بخالد لونيسي، حيث كان معروفا بالتنقيب عن المواهب الشابة لفائدة الاتحاد وهو الذي أقنعني بالتنقل لإجراء التجارب مع الفريق مع مجموعة من أبناء براقي، كنت في سن 12، ونجحت بامتياز ومن هنا بدأت حكايتي مع "الصفراء". هل كنت مناصرا للحراش وقتها؟ في البداية لم أكن مهتما، لكن بمرور الوقت تعودت على النادي وأحببته بسرعة، خاصة بعد أن كنت أحضر المباريات الكبيرة للفريق ملتقطا للكرات. كنت أتمتع برؤية فنيات مزياني، مدان وراحم فيما بعد، وأذكر بالخصوص راحم وما كان يفعله في مباريات كأس إفريقيا مطلع التسعينيات. وأنت صغير، هل كنت تؤمن بأن لديك مستقبلا في كرة القدم؟ نعم، لم أكن موهوبا في الدراسة، وصلت إلى مستوى السنة التاسعة بعد أن دفعوني دفعا، كرة القدم كانت كل شيء بالنسبة لي، الوالد كان يعمل في مؤسسة الرخام الوطنية، لم يكن يتابعني كثيرا ولم يعارض الأمر. ومتى شعرت بأنك قادر على التألق في كرة القدم؟ الشعور هذا منحني إياه مدربي الطاهر في صنف الأشبال، كان يشركني ظهيرا أيمن وكنت أسجل باستمرار، كان يشيد بي باستمرار، بعدها وصلت إلى الفريق الأول بعد أن وصل صدى ما كنت أحققه مع الأواسط للشيخ رمضاني مدرب الأكابر في تلك الفترة، هنا أفتح قوسا لأشيد بدور أنصار الفريق في وصولي لتشكيلة الأكابر، فقد كانوا يحضرون بقوة لمبارياتنا، خاصة أننا كنا نشكل فريقا قويا مع ولد ماطة، الأنصار هم من تكلموا بكثرة عني للمدرب رمضاني الذي لم يعارض وطلب من مدربي الطاهر أن يبعث له هذا اللاعب الذي يسجل كثيرا بعد أن كان سبقني ولد ماطةّ. كيف كانت بداياتك مع الأكابر؟ كان ذلك موسم 1994-1995، دخلت مباشرة في صلب الموضوع، فبعد أسبوع من التحاقي بالأكابر لعبت أمام شباب قسنطينة وكان ذلك بعد إصابة ناصر زكري بعد مرور 25 دقيقة عن بداية المباراة، دخلت وعوضته وبدايتي كانت موفقة جدا حيث حصلت في الدقائق الأخيرة على ركلة جزاء بعد أن عرقلني سليم العايب في منطقة الجزاء وفزنا بهدف لونيسي إن لم تخني الذاكرة، بعدها توالت مشاركاتي ولعبت في الشاوية أين فزنا هناك وتمكنت من إحراز أول أهدافي وبمرور الوقت فرضت نفسي. كيف وجدت نفسك وأنت لم تتجاوز سن 18 مع الأسماء الكبيرة التي كانت تضمها الحراش في تلك الفترة، من وقف بجانبك ومع تراه بالمقابل افتعل لك المشاكل من اللاعبين في تلك الفترة؟ عندما وصلت إلى الفريق الأول للحراش كان هناك بعض اللاعبين الشبان مثل طارق غول، لكن كان هناك أيضا العديد من الأسماء الكبيرة في الفريق مثل لونيسي، بشوش، بن عمر، حرابي وغيرهم، كنت أحترم هؤلاء لدرجة لا توصف حتى أني كنت مع بقية شبان الفريق آخذ حمامي بعد نهاية التدريبات في مكان منعزل عنهم. الحقيقة تقال أنني وجدت كل التسهيلات من اللاعبين وفي مقدمتهم بشوش وبن عمار اللذان لن أنسى وقفتهما معي في تلك الفترة فقد ساعداني ومهما قلت لن أوفيهما حقهما، الذي كان "قبيح معايا" كان أحمد حرابي الذي كان يصرخ علي في كل مرة وهو على كل حال صاحب شخصية فريدة من نوعها وصعب في التعامل مع الجميع، لكن بعد ذلك وبعد أن تعرف علي أكثر صرت مقربا منه إلى درجة أنه بات يقول لي "إذا ما تماركيش يا عزيزان ما نربحوش". من كان قدوتك من اللاعبين؟ رابح ماجر كان قدوتي واللاعب المفضل بالنسبة لي بلا منازع، يبقي بالنسبة لي أفضل لاعب عرفته الكرة الجزائرية لعبا وأخلاقا، هناك من يعتبر بلومي الأفضل، أما عن نفسي فأقدر موهبة بلومي الكبيرة لكن مع احترامي الكامل له، نظرتي له تغيرت من اليوم الذي واجهته وهو بألوان معسكر سنة 1995، كنت شابا يافعا وألعب بحماس، أذكر أني احتككت معه في إحدى الكرات وللأسف سمعت منه كلاما بذيئا جعل صورته تهتز لدي تماما، رغم أنه الآن صديق ورقم هاتفه عندي. هناك مباراة شهيرة كنت طرفا فيها خلال بدايتك مع الحراش وهي التي واجهتم فيها اتحاد العاصمة في ملعب المحمدية 19995-1996 والتي انتهت بفوز الزوار بهدفين نظيفين، ما مهد لفريق سوسطارة التتويج باللقب، كلام كثير قيل عن تلك المباراة وبأنها كانت مرتبة، هل تؤكد لنا ذلك بعد مرور كل تلك السنوات؟ كنت حاضرا في تلك المباراة ويمكنني أن أؤكد لكم أنه كان لقاء مرتبا مائة بالمائة، لكني لم أكن طرفا في هذا التلاعب، لعبت بنيتي ولم أكن أعرف شيئا حتى بدأت ألاحظ أداء مريبا لبعض اللاعبين الذين كانوا واقفين فوق الميدان، كانت لدي شكوك لكن وبعد أن شاهدت الهدف الثاني الذي وقعه بلال دزيري الذي فتح له اللاعبون مرمانا و"دخل يحوّس" حتى سجل، أدركت أن المباراة "مخدومة" وبكيت من شدة الغضب لأني لم أكن أريد أن ألطخ مشواري وهو في بدايته بمباراة مرتبة. على كل، الجمهور القليل الذي كان حاضرا وقف على الحقيقة و"شبعنا حجر". قيل وقتها أن طارق غول كان أحد الذي رتبوا المباراة نظير انتقاله لاتحاد العاصمة في الموسم الموالي؟ لا أتهم طارق غول ولا أذكر الأسماء، لكن هناك ثلاثة لاعبين معروفين صارحوني بعد ذلك أن المباراة مرتبة، تمنيت لو أعلموني قبل المباراة حتى لا أشارك فيها أصلا، لا أملك التفاصيل لكن الأكيد أن مسيري الحراش تنازلوا عن المباراة وتواطؤا مع بعض اللاعبين من أجل أن يفوز اتحاد العاصمة ويقترب بالتالي من التتويج باللقب الذي عاد له على حساب مولودية وهران. هل كانت المباراة المرتبة الوحيدة التي كنت شاهدا عليها؟ حضرت مباراة مرتبة لكن من طرف الحكام، كما كان الحال خلال المباراة التي خضتها مع مولودية قسنطينة لتفادي السقوط أمام جمعية وهران، حضرت أيضا مباراة كان فيها الحكم ضدنا وهو اسم معروف اعتزل مؤخرا التحكيم، قال لي بالحرف الواحد في مباراة مصرية: يا عزيزان حتى لو تسجل هدفا سأمنح المنافس هدفين، "الكولسة" كثيرة في كرة القدم وقد حضرت أيضا مباراة لن أنساها وهي مباراة الحراش مع بجاية في بجاية، يومها تنازلت الشبيبة لنا عن المباراة حتى نتفادى السقوط وتسقط الشاوية للقسم الثاني بالمقابل، كان هذا خلال موسمي الأخير مع الاتحاد قبل أن أتحول إلى مولودية الجزائر. الغريب في تلك المباراة رغم أنها كانت مرتبة إلا أنني أذكر جيدا أني كنت أعجز عن التسجيل، كنت أصل للمرمى أنا وبن شيخة بسهولة لكننا كنا نفشل في إيداع الكرة الشباك، كان أمرا محيرا جدا. موسم 1997-1998 يبقى محفورا في ذاكرة كل أنصار الحراش من خلال تتويج الفريق بأول وآخر لقب للبطولة الوطنية وأنت كنت طرفا فاعلا فيه، هل كنت تتصور قبل بداية الموسم أن الحراش كانت تملك فعلا مقومات البطل ذلك الموسم؟ انطبق علينا ذلك الموسم المثل القائل.. الشهية تأتي مع الأكل، لم نراهن على اللقب لكن الانتصارات المتتالية التي حققناها شجعتنا على التطلع إليه، كنا نملك مقومات التتويج، بداية بتركيبة الفريق التي كانت تضم ما لا يقل عن 14 لاعبا متزوجا، وهو ما يعني الاستقرار النفسي لهؤلاء، الفريق كان متجانسا يضم عناصر ذات خبرة مثل لونيسي، بوطالب، ولد عامر، مراقة، دريش وغيرهم، بالإضافة إلى الشبان مثلي أنا، فكيد، عميرات والبقية، قمنا بتحضير ممتاز مع رمضاني في بولونيا، والبداية غير الموقفة التي سجلناها في البطولة لم تدم طويلا، حيث جاء هدان مكان رمضاني، ليأتي الدكليك، ثم بدأنا حصد النتائج الإيجابية، عوامل كثيرة اجتمعت في ذلك التتويج مثل قيمة اللاعبين، الحرارة التي كانت تميزهم، دون أن أنسى دور الجمهور الذي كان قويا. هناك عامل أيضا وهو النفوذ الذي كان يتمتع به الرئيس محمد العايب الذي فرض على الاتحادية وقتها إعادة مباراتكم أمام شباب بلوزداد بعد أن كانت أقرت في وقت سابق بفوز الشباب على البساط الأخضر العايب من الرؤساء الكبار في الجزائر، لا يمكننا أن نقارن مثلا بينه وبين قرباج. العايب كان "رئيس واصل" في تلك الفترة لديه "خيوط"، لا يمكننا أن ننكر أنه خدمنا في تلك الفترة، لكن الأكيد أنه ليس العايب الذي كان يلعب فوق الميدان، ليس هو الذي فاز في وهران أمام المولودية المحلية والشيء نفسه في الشاوية. العايب لعب دوره والفريق أيضا لعب دوره، ما يمكن قوله إن العايب تصدى لأي "حقرة" كانت ستمارس في حق الحراش كما حدث كثيرا من قبل ومن بعد أيضا. المباراة الأخيرة في البطولة كانت أمام شباب قسنطينة وعرفت تلقيك بطاقة صفراء حرمتك من المشاركة في المباراة النهائية، كيف عشت تلك اللحظات وأنت تجد نفسك تضيّع أهم مباراة في مشوارك؟ أذكر جيدا تلك المباراة، كانت حاسمة ومصيرية، كان علينا الفوز لتصدر المجموعة وخوض المباراة النهائية أمام اتحاد العاصمة، الأمور لم تكن سهلة تماما، وجدنا صعوبات كبيرة في اختراق دفاع الشباب، قبل أن تأتي كرة مرتدة وهجوم خاطف للشباب ووجدت نفسي أنطلق كالسهم لأعرقل لاعب المنافس حتى أقطع الهجمة، لأنه لو قدر الله وسجل الشباب لكانت الأمور قد حسمت وحلم اللقب تبخر تماما، فضلت أن أضحي بنفسي مع إدراكي للعواقب، بعدها بدقائق حصلت على مخالفة ولعبت ناحية فيصل راحم الذي انسل وراء الدفاع ووزع الكرة لتصطدم بأحد مدافعي الشباب وتغالط لعور في آخر دقائق المباراة لتحررنا كلنا. كانت تلك المباراة التي أشعلت العلاقات بين الحراش وشباب قسنطينة صحيح، الشباب يبقى فريقا كبيرا ومر عليه لاعبون ومدربون كبار منهم الشيخ سعدان الذي كان مدربا للفريق في تلك الفترة، لكنه ضم أيضا لاعبين عنيفين وعلى رأسهم داود حرنان الذي كان يثير الرعب وسط كل لاعبي الأندية التي كانت تواجه الشباب في تلك الفترة، لكنه كان يتوقف عند لاعبي فريق واحد وهو الحراش، لأن الخوف لا يعرف طريقا إلينا في الحراش ولا نخشى أحدا مهما كان، حرنان كان يلبس حذاء بمسامير غليظة وعندما يأتي الفريق الزائر لقسنطينة كان يذهب للتسخين أمام لاعبي المنافس ويشتمهم من دون أن يرد عليه أحد، كان يرعبهم ومن هنا يفوز عليهم، هذا ما وقفت عليه أكثر لما صار زميلي في مولودية قسنطينة. وكيف "اشتعلت" بينكم أنتم اللاعبين؟ بعد هدف فيصل راحم مباشرة حدث اقتحام للميدان من الجمهور وهذا أمر منطقي، خاصة أن كثيرين كانوا جالسين على هامش الملعب. ملعب المحمدية لا يملك مدرجات أصلا فما بالك لاستيعاب مباراة بذلك الحجم والأهمية، بعد الهدف دخل أنصارنا الميدان وصارت بعض الاحتكاكات، واشتعلت في البداية بين حرنان وفكيد وامتدت إلي، بعدها غادر لاعبو الشباب ورفضوا العودة، لم يتقبلوا خسارتهم وانتظرونا خلال تنقلنا إلى قسنطينة في الموسم الموالي للعب لقاء الذهاب. وماذا حدث؟ جاء حرنان وهو يرتدي حذاءه بالمسامير الغليظة وبدأ يمشي و"يقربع" أمامنا وهنا تشابكت معه قبل أن يفض الاشتباك، بعدها ونحن داخل الميدان والمباراة لم تنطلق بدأ في الجري وراء لاعبينا وهو يهددهم، نحن في الحراش لا نعرف marche arriere، فاشتبكنا معه مرة ثانية، بدأت المباراة وتقدمنا في النتيجة بفضل مخالفة مباشرة من لونيسي ثم عادل حرنان النتيجة قبل أن يضيف لاعبو الشباب ثلاثة أهداف أخرى. لا أكذب عليكم.. لم أتقبل ما فعله بنا وانتظرت نهاية المباراة لأنتقم منه، هدان أدرك الأمر وطلب مني الهدوء لكني رفضت الانصياع لأوامره، أردت الرد على هذا الذي يعتبر نفسه غولا. حرنان أدرك الأمر وأراد الدخول مع الحكام، لكن هذا لم يكن ليحميه مني، تهجمت عليه و"ضربتو بدماغ" ليختلط الحابل بالنابل، لأعلن يومها للصحافة تحديه وقلت: "لو كان حرنان راجل يجي للحراش في لقاء العودة". وحضر حرنان؟ نعم، بقيت أترقب وصوله، لم أكن مركزا على المباراة، رفضت حتى تغيير ملابسي حتى أتحقق من وصوله، لما شاهدته يصل تحولت نحوه مباشرة ولا أنكر أني بصقت عليه قائلا: "جيت يا الراجل"، لم يقدر أن يرد علي، فأضفت قائلا "اليوم سأبعث بك إلى المستشفى". بدأت المباراة وبعد بضع دقائق انطلقت ووجدته أمامي، راوغته فسقط على الأرض وادعى الإصابة، اقتربت منه وقلت "ماشي هادي اللي تخرجك" لكنه أدرك أنه لن يخرج سالما لو أكمل المباراة فرفض العودة وتم تغييره. مشاكل حرنان تواصلت في الحراش والكل يذكر ما فعله يوم حمل المقص في مباراة الفريقين سنة 2006؟ وقتها لم أكن في الحراش، كنت في العلمة، لكن علاقتي بحرنان في تلك الفترة انقلبت من النقيض إلى النقيض، بعد أن تعرفت عليه في مولودية قسنطينة. وكيف كان اللقاء بينكما في قسنطينة؟ انتقلت إلى مولودية قسنطينة بعد أن فشل انضمامي للاسماعيلي المصري سنة 2002، التقيت بدميغة وأقنعني باللعب لفريقه، وقتها حرنان لم يكن قد وقّع بعد. أسبوعان بعد ذلك جاء حرنان ووقع ل "الموك" بعد أن عرف مشاكل مع الشباب، بقينا شهرا كاملا لا نكلم بعضنا وعداوتنا تجسدت خلال التدريبات فقد كنا نتعمد الخشونة ضد بعضنا، لكن بعدها اقتربنا أكثر وتعرفت على شخصيته وتعرف علي وصرنا أصدقاء، كان يحترمني كثيرا بعد أن صرت قائدا له، ولا أنفي أني كنت أوجهه للقيام بنفس الأساليب التي كان يتبعها ضدنا في الحراش ضد الفرق الأخرى التي كانت تواجهنا في قسنطينة. وكيف يمكن أن تصف لنا شخصية داود حرنان؟ هو من الناحية الكروية متواضع جدا و"يجيب ربي"، عنيف لأقصى درجة داخل الميادين وهو أول واحد يقر بذلك فقد كان يقول لي: "أنا مخلوق للمخبط، الدبزة والضرب راني هنا"، لكن خارج الملعب هو إنسان آخر رائع من الناحية الإنسانية، كريم لأقصى درجة وهذا ما جعله قريبا جدا مني. نعود للحراش وموسم اللقب، حدثنا عن علاقتك مع الأنصار في تلك الفترة؟ كانوا ينادوني "زوج"، لأني كنت دائما أشير بذلك في كل مرة كنت أسجل، لقد ساهموا بشكل كبير في اللقب، لأنهم كانوا صبورين على الفريق وليس كما هو الحال الآن، كانوا يشجعون الفريق حتى الدقيقة الأخيرة ولو نفشل كانوا ينقلبون علينا لكن ليس قبل صافرة الحكم الأخيرة، هذا ما ضمن لنا انتصارات هامة ترسمت في الدقائق الأخيرة، لكن يجب أن لا ننكر أيضا دور اللاعبين، لقد كنا عائلة واحدة، قضينا الموسم بكامله في فندق مركز الخروبة، وهو فندق متواضع فقد كان يجتمع ما لا يقل عن 14 لاعبا في غرفة حدث فيها مشاكل، شجارات، وأمور أخرى لكن قوتنا أننا لم نكن نسرب أي شيء مما كان يحدث للشارع، لا أحد كان يعلم أخبار اللاعبين غيرننا نحن وليس كما هو عليه الحال حاليا، ما يحدث ينتشر بعد دقائق في كل الحراش، وأنا معكم سمعت من أحد المناصرين أن اللاعب بلاط لم يعجبه عدم إشراكه في تلمسان وحزم حقائبه وغادر. كيف تصف قائد الفريق في تلك الفترة، خالد لونيسي، كيف كانت علاقتك معه؟ لونيسي قائد بمعني الكلمة، كان عليه ضغط ومسؤولية تحمّلها كاملة، وجوده كان ضروريا في الفريق، ليس لمستواه الفني فقط بل لشخصيته ودوره في الربط بين اللاعبين والإدارة. أنا شخصيا لم أعرف مشاكل معه سوى مرة لما كان مناجيرا عاما للفريق ولم يقف بجانبي بعد أن اختلفت مع لفقي، عدا ذلك علاقتي معه كانت ولازالت جيدة. كيف عشت لقاء النهائي أمام اتحاد العاصمة؟ تابعت المباراة على مقعد البدلاء مثل أي مناصر، كنا منهزمين في النتيجة لكني لم أفقد الأمل، صحيح أننا عشنا في دوامة وكثيرون من الأنصار خرجوا من الملعب لكني تشبثت بالأمل والحمد لله لم يذهب تعبنا سدى، عدنا في النتيجة وتقدمنا ثم صد ولد ماطة ركلة جزاء، واللقب كان حراشيا في أجواء تاريخية لا تنسى.