منذ البداية كان واضحا أنّ خيار ملعب مراكش الجديد ليس موفقا لاحتضان “الداربي“ المغاربي رغم أنه تحفة فنية ومن الطراز العالمي، لأنّ صغر حجمه واضح ومن غير الممكن أن يحتضن حدثا مماثلا، فكان من المفترض أن يتم إجراء مباراة مماثلة في الملعب الكبير بالدارالبيضاء أين يمكن للعديد من أنصار المنتخبين حضور اللقاء والاستمتاع، وحتى المنتخب المغربي كان ذلك في مصلحته لأنّ دعم الجماهير كان سيكون في مصلحته بفضل ضغط أكبر عدد من الأنصار، وهو ما يجعلنا نتساءل عن السبب الحقيقي وراء الاختيار الذي قامت به السلطات المغربية بإجراء اللقاء في مراكش. أولا الخوف من الانزلاقات في الدارالبيضاء هناك ربما إجابتان على السؤال المطروح، الأولى هي الأحداث التي تجري في المغرب في الفترة الأخيرة حيث أنّ الأجواء مشحونة ومن المؤكد أن الملك خشي أن تحدث أية انزلاقات في حالة تسجيل أية نتيجة سلبية في لقاء المغرب أمام الجزائر، وبالتالي تكون شعلة لانطلاق اصطدامات أو مظاهرات قد تصل إلى أمر آخر، خاصة أنّ الشعب في الدارالبيضاء معروف بسخونة دمه وأيضا وجود تغطية إعلامية كبيرة هناك، بينما لو يحدث الأمر في مدينة صغيرة مثل مراكش فإن الأمر تتم تغطيته بكل سهولة. ثانيا لا يوجد تهديد في مراكش مقارنة بتونس أمّا السبب الثاني فهو اقتصادي سياسي وهو التأكيد على أنّ المغرب على العموم ومراكش بشكل خاص منطقة غير مهددة وفيها السلم والأمان بالنسبة للجزائريين، وأنّ التفجيرات التي حدثت في مراكش أمر غير مؤثر ولا يهدّد سلامة السياح، وبالتالي الأمن موجود أكثر من تونس التي تعتبر القبلة الأولى للجزائريين، لكن الفرصة أتت لاستقطاب السياح الجزائريين الذين أصبح الكثير منهم يخشى التنقل إلى تونس التي لم يعد فيها الأمان موجودا خاصة في المدن الكبرى، والبديل كان مقترحا من المغاربة الذين استغلوا اللقاء لإظهار قدرات مراكش السياحية. ثالثا دفع الجزائريين للمطالبة بفتح الحدود وإذا تحقق السبب الثاني فيعني هذا أنّ السياح الجزائريين الذين يعتبرون دخلا مهما لأي بلد سيبحثون دون شك عن تغيير وجهة العطلة إلى المغرب ومراكش، لكن يبقى أمر غلاء ثمن السفر بما أنه من غير الممكن التنقل عبر السيارة بسبب غلق الحدود، هذا الأمر قد يجعل الجزائريين يطالبون بفتح الحدود مع المغرب، والأمران معا يساهمان في رفع اقتصاد البلد وحجم الدخل خاصة أنّ السياحة هي مصدر الدخل الأول للمغرب. “مرحبا بكم وبنقودكم” ما يعزز هذه النظرية التي تقضي بتعزيز التجارة والسياحة المغربية هي اللافتة التي وجدناها في المدينة (مدينة مراكش القديمة) والتي كانت معلقة في ساحة جامع الفنا، والتي كتب فيها: “جمعية تجار وفناني سوق جامع الفنا ترحب بالجمهور الجزائري الشقيق”، وهنا نستغرب تجار يرحبون بالجماهير الجزائرية! ربما كان الجدير وضع: “مرحبا بكم وبنقودكم”، هذا إضافة إلى كل التعبئة الإعلامية من طرف وسائل الإعلام المغربية سواء الإذاعة أو التلفزيون والتي كانت تؤكد على المغاربة وسكان مراكش على ضرورة تقديم الاستقبال الذي يليق بالجزائريين، وهي الرسالة التي فهمها السكان جيدا، ويتذكر الجميع كيف أنّ السياحة الجزائرية في تونس عرفت ركودا كبيرا بعد ما حدث في “كان” 2004 والتي جعلت العديد من الجزائريين يقررون عدم التوجه لتونس من جديد بسبب تلك الأحداث، وقد فهم المغاربة الدرس جيدا وأرادوا جعل لقاء في كرة القدم أفضل واجهة لتقديم السياحة في مراكش على طبق للجزائريين.