هذا هو حال كثير ممن قد تجالسهم وتحس بعفويتهم، يسمعونك نقدا رقيقا يمزج الأمل بالألم، أما محاكاة الغربة التي أخذتني من أعز البلدان، من وطن قد يتخيله البعض كبقية الأوطان العربية التي نسمع عنها، سرعان ما تتغير تلك الصورة النمطية التي لطالما علقت بأذهاننا، وأنت في المهجر مكره لا بطل، قد ينتابك شعور فريد بأنك تخرج من سعة الجزائر إلى ضيق البلدان، ويقوى هذا الإحساس عندما تتذكر أن ما جعلك تقرر ليس حب الفسحة والنزهة أكثر مما هو تحقيق طموحاتك التي حالت ظروف متعددة بينك وبينها في موطنك الأصلي، وهو ما قد تحققه وتبدع فيه في أرض الله الواسعة والحمد لله أنني دائما اهتدي لقول سيدنا بلال بن رباح وإلا لكان الألم ألمين والغربة غربتين، فرضي الله عنه إذ قال " لست أعرف سوى الإسلام لي وطنا أينما كان الإسلام فذاك وطني ". تشتد الحرقة لكن تتهاوى بمجرد أن أستذكر ما لي وطني من تاريخ مجيد وماض تليد، يشعرك بالفخر ويجعلك تمشي منتصب القامة موفور الكرامة. في بلد حيث الأسماء الخالدة نجوم في سماء الدهر، قدمت ما قدمت من تضحيات وحفل سجل التاريخ بها، وأثقلت محاسنهم صفحات التاريخ، من الأمير المؤسس عبد القادر إلى عبد الحميد مهري رائد الحوار وقبول الآخر. وإني أكتب هذه الكلمات في الجريدة التي أسسها ويديرها اليوم الأستاذ محمد يعقوبي، الذي عرفناه برقيه وقبوله الرأي المخالف برحابة صدر. والحقيقة عندما أردت أن أكتب عن هواجس الغربة والإعلام والوطن كبر الأمر علي، فقلت بيني وبين نفسي، من أين أبدأ، فحال إعلامنا وما يسوقه لنا يجعلك تبدأ من النهاية، أما هواجس الغربة فلا بداية لها ولا نهاية فيها فقط تنتهي عندما تطأ قدماك تلك الأرض التي قال فيها يوما مصالي الحاج هذا التراب ليس للبيع …