تستمر قصص الجرائم الطبية بمستشفيات الجزائر، في ظل الإخلال بواجبات المهنة وصمت الجهات المسئولة عن أخطر ملفات الفساد التي يواجهها المواطن الجزائري الواقع بين نارين، إهمال المستشفيات العمومية واستغلال القطاع الخاص، إما التخرج بعاهات مستديمة وإعاقات وإما الموت هدرا في مستشفيات غابت فيها المهنية والإنسانية. أخذت ظاهرة الأخطاء الطبية في الجزائر منحى تصاعدي خلال السنوات الأخيرة، ينذر بتردي الوضع الصحي في مستشفياتنا، والناجم أساسا عن الإهمال وسوء التسيير، يحدث هذا وسط مطالب الحقوقيين والحركة الجمعوية بفتح الملف الأكثر تعقيدا في قطاع الصحة، والذي تواجهه السلطات بصمت مطبق، خاصة في ظل تخلي أغلب الضحايا عن المتابعة القضائية للمتسببين في مآسيهم والاستكانة للقضاء والقدر، فعندنا في الجزائر"كل شيء مكتوب". تعرضت الطفلة الجزائرية شيماء ريحان منذ سنوات إلى خطأ وإهمال طبي تسبب في تعرضها للشلل والعمى والخرس في الوقت نفسه، فبعد أن قصدت شيماء وهي في عمر الخمس سنوات عيادة جراحة الأنف والحنجرة لنزع اللوزتين تعرضت لخطأ طبي فادح، حيث أصيبت بنزيف دموي حاد دخلت على إثره في غيبوبة وفقدت قدرتها على الحركة والبصر والنطق معا وأصبحت جثة بلا حياة، بعدما كانت طفلة في كامل صحتها وحيويتها. أما خاطر جمال من بشار، فقد تم بتر يده كليا بسبب الإهمال الطبي الذي واجهه، حيث تعرض لحادث عمل نقل على إثره المستشفى و دخل في غيبوبة تامة لمدة 15 يوما، وبسبب التهاون الطبي في متابعة حالته الصحية من طرف طبيب وممرضتين، تعرضت يده المصابة إلى تعفن استدعى بترها لإنقاذ حياته. كما تعرض "أسامة" في عمر ال 15إلى بتر نصف أصابع يده اليمنى بسبب خطأ طبي، فلم يكن أسامة يعاني سوى من التواء في يده، نقل على إثره إلى المستشفى على جناح السرعة، أين تم وضع الجبس على يده، ولم تمر سوى ثلاثة أيام حتى قرر الأطباء بتر جزء من أصابع يده. أما "قمرة" التي تعرضت لسلسلة من الأخطاء الطبية نجم عنها عجزها التام وملازمتها الفراش وسط آلام كبيرة، فقد بدأت قصتها قبل 13 سنة حينما أحست بأوجاع في المعدة بسبب الغازات، وبسبب خطأ في التشخيص دخلت غرفة العمليات التي لا تخضع للتعقيم والنظافة اللازمين، الشيء الذي أدى إلى إصابتها بفيروس خطر تسبب في إعاقتها وبعد محاولة علاج فاشلة تمت خارج الوطن تم بتر ذراع قمرة التي لا تزال تلازم فراشها وآلامها إلى اليوم. محمد فوزي، هو الآخر ضحية خطأ طبي، فقد بصره في عمر ال 23 بسبب خطأ طبي، حيث كان يعمل كممرض وتسبب الإهمال في وضع حد لحياته المهنية، فقد بدأت المشكلة عند تعرضه لحادث على مستوى رأسه بعدما سقط على حافة الرصيف، وبعد معالجة الجروح استمرت حياته بشكل عادي حتى شعر بألم حاد في الشق الأيمن من رأسه وبعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة تبين وجود ماء على مستوى الرأس، جعل الأطباء يزرعون صمام فوق أذنه اليمنى، ليتفاقم الألم أكثر فأكثر وبعدها قرر الأطباء نزع الصمام، إلا أن العملية أسفرت بعد يومين فقط على فقدان المريض لبصره مع إصابته بشلل جزئي وضيق حاد في التنفس وبعد إجرائه لفحوصات طبية على مستوى عينيه تبين وجود انتفاخ في العصب البصري من الدرجة الثالثة، وبعد رحلات من العلاج لا يزال محمد فاقدا للبصر. أبو بكر محي الدين: نطالب سلال بفتح ملف الجرائم الطبية في الجزائر كشف أبو بكر محي الدين الأمين العام للمنظمة الجزائرية لضحايا الأخطاء الطبية في الجزائر قيد الاعتماد ل"الحوار"، عن تسجيل أكثر من 1200 ضحية خطأ طبي، تحصلت المنظمة على ملفاتهم، تتراوح حالاتهم بين الوفاة، الإعاقة والعمى "للأسف ملف الأخطاء الطبية يعد من أخطر ملفات الفساد في الجزائر، هو مسلسل يومي له بداية وليست له نهاية، يقولون لنا إن الأخطاء الطبية موجودة في كل مكان من العالم، لكني أقول إن ما يحدث في الجزائر ليس بأخطاء وإنما جرائم، وحينما نتذكر ال 31 ضحية الذين فقدوا بصرهم في مستشفى بني مسوس سنة 2007، نتأكد بأن ما يقترف في حث الجزائريين بالمستشفيات هو أكثر من جريمة، وحينما نذكر ال 18 طفل ضحية عمليات ختان فاشلة في الخروب بقسنطينة، منهم من يتابع رحلة العلاج إلى يومنا هذا ومنهم من فقد عضوه الذكري بصفة نهائية وقضي على حياته، نتأكد أنها نكراء في حق الإنسانية، أما في 2010،فسجلت 15 ضحية في عيادة خاصة، كان فيها حالات لفقد البصر، و في 2011 فسجلت 15 ضحية أخرى في عيادة خاصة بخنشلة، أما في 2013، فسجلت 118 ضحية لأخطاء طبية في عيادة خاصة، منها حالتي وفاة، أما باقي الحالات فأغلبهم التقطوا فيروسات خطرة بعد عمليات ولادة في قسم الأمومة. وعن تفاقم ظاهرة الأخطاء الطبية التي ظهرت إلى العلن مؤخرا، يقول أبو بكر"ماحدث مؤخرا، هو نتيجة لتفاعل المواطنين مع حالة الضحية أخونا عدلان، ما أدى إلى ظهور الحالات الأخرى للعلن والمطالبة بالتضامن الشعبي معهم، لأن أغلبهم بحاجة إلى عمليات تصحيحية، كل هذا ووزارة الصحة تلتزم الصمت المريب إزاء تزايد ضحايا الأخطاء الطبية في الجزائر، بل وأكثر من ذلك في ماي 2014 وفي قبة البرلمان، أدلى وزير الصحة عبد المالك بوضياف بتصريح يقول فيه "أي قابلة عندها مشكل قضائي تلتزم الوزارة بتوكيل محامي لها" ويقصد بذلك القابلات المتابعات قضائيا بسبب الأخطاء الطبية عند الولادة، ويضيف المصدر ذاته "لا وجود لمادة في القانون الجزائري تتحدث عن ضحايا الأخطاء الطبية، وعليه قمنا بعدة اعتصامات واحتجاجات، لكن دون جدوى. ووجه الأمين العام للمنظمة نداءه إلى الوزير الأول عبد المالك سلال "وزير الصحة يهمش ملف ضحايا الأخطاء الطبية في الجزائر، ونحن نطالبكم بالتدخل لفتح تحقيق حول ملف الأخطاء الطبية في الجزائر لأن الصحة في بلادنا صارت تجارة و "تبزنيس". الدكتور محمد صحراوي: هروب الأطباء إلى العيادات الخاصة سببه الإهمال في المستشفيات
أكد الدكتور محمد صحراوي أخصائي في طب الأطفال وعضو في الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث في تصريح ل" الحوار" أن الأخطاء الطبية موجودة على مستوى العالم ككل، إلا أن المشكل في الجزائر لا يقتصر على الأخطاء الطبية العادية والواردة، وإنما يتعلق بشكل أكبر بمشكلة الإهمال، حيث يتعمد بعض الأطباء بالمستشفيات العمومية التعامل مع المرضى بأسلوب الإهمال واللامبالاة والمماطلة من أجل جر المرضى وتوجيههم نحو العيادات الخاصة التي يعملون بها، كما أشار المصدر ذاته بأن الأخطاء الطبية تحدث أيضا على مستوى العيادات الخاصة، لكن يتم التستر عليها بشكل كبير على عكس المستشفيات العمومية. وأوضح صحراوي بأن معظم الأطباء لم يمتثلوا لتعليمة وزارة الصحة التي تمنع الأطباء والمستخدمين الطبيين من العمل في القطاع الخاص والقطاع العام في الوقت نفسه، حيث لا يزال الكثير من الأطباء العاملين بالمستشفيات العمومية يعملون أيضا بالعيادات الخاصة، وهذا يؤثر بشكل سيء على شكل الخدمة في المستشفيات العمومية، حيث يقوم بعض الأطباء بتهريب المرضى بشتى الأشكال إلى العيادات الخاصة، كما يقوم بعضهم أيضا بسرقة الأدوية من المستشفيات العمومية بغرض استخدامها في العيادات الخاصة. هذا، وقد أكد المصدر ذاته بأن عمل الأطباء بالعيادات الخاصة يجعل منهم أشخاصا ماديين ويفقدهم روح الإنسانية في التعامل مع المرضى، مشيرا إلى أن الأطباء في الجزائر يدرسون الطب مجانا، ولكن حينما يتخرجون يتجهون إلى العمل بالعيادات الخاصة، وعليه دعا محمد صحراوي بضرورة عمل الأطباء بقطاع واحد دون الآخر، فإذا اختار الطبيب العمل في القطاع الخاص عليه أن يتخلى عن عمله بالمستشفيات العمومية، لأنه على الأغلب لن يؤدي مهامه بشكل لائق. وأوضح الدكتور محمد صحراوي بأن الإهمال الطبي بات يمس الكثير من التخصصات على غرار الجراحة، طب الأطفال، طب العيون، الإنعاش وغيرها، ويتسبب في وقوع كوارث صحية تصل إلى الإعاقة والموت، موضحا أنه إلى جانب الإهمال تعاني المستشفيات العمومية في الجزائر من نقص الإمكانيات ونقص الثقة أيضا، حيث يتوجه المريض إلى عدة مستشفيات للتأكد من أن التشخيص صحيح، كما يتركز المرضى ببعض المستشفيات دون الأخرى نظرا لكثرة السكان في مناطق معينة، مشيرا إلى أن مستشفى بلفور بالحراش يستقبل يوميا على جناح الاستعجال من 200 إلى 300 طفل مريض وتصل عدد الحالات أحيانا إلى 450 حالة في اليوم، وبالتالي هذا الضغط الكبير يجبر الطبيب على التعامل بسرعة وهذا قد يجعله يخطئ.
البروفيسور خياطي: يجب إنشاء لجان مختصة على مستوى المستشفيات دعا البروفيسور مصطفى خياطي إلى تدارك قضية الأخطاء الطبية بإنشاء لجان مختصة على مستوى المستشفيات تقوم بالتحقيق في ملابسات أي قضية والحكم فيما إذا كان الخطأ ناجما من الطبيب، أم يتعلق بتعقيدات صحية طبيعية لا يفهمها إلا الطبيب الذي يعرف الحالة جيدا، مضيفا أن الجزائريين يتعاملون مع ملف الأخطاء الطبية بالأحكام المسبقة، وبأنه ظاهرة جديدة على رغم أن الأخطاء الطبية هي ظاهرة عالمية وتنتشر حتى في البلدان الأكثر تطورا، ففي أمريكا مثلا كل طبيب لديه محاميه الخاص لا يغادره أبدا، ليدافع عنه في حال اتهم باقترافه لخطأ طبي. والحل الوحيد في الجزائر وفي ظل تنامي هذه الحالات أن يترك الأمر للجان طبية متخصصة تفصل في الأمر حتى لا يترك الحبل على الغارب ويتهم بعض الأطباء جزافا وحتى لا يضيع حق الضحايا في حال تأكيد حدوث الخطأ الطبي.