رفض "روبرت ورسلي "، وهو مزارع انجليزي فرصة كبيرة كانت ستجعل منه مليونيرا، حيث عرضت عليه إحدى شركات تطويرالإسكان مبلغ 275 مليون جنيه استرليني مقابل بيع أرضه الزراعية لبناء مدينة تضم عشرة آلاف مسكن، معللا رفضه هذا بعدم رغبته في المساهمة في حرمان الناس من التمتع بالريف وتدمير الأراضي الزراعية. توقفت طويلا عند هذه الحالة الانسانية المتفردة وفي رأسي ألف سؤال لا أجد له جوابا، ومما زاد جذوة النار اتقادا في صدري، اتصال صديق بي أمعن في تشاؤمه مما وصل إليه حال البلاد وعمّق من حيرتي حين لفت انتباهي إلى أمر بالغ الأهمية، فالأوضاع -بحسبه- تزداد سوءا برداءة الإدارة والسلطة، وأيضا بالجشع الذي تفشى بين الناس ولم يسلم منه إلا ذوو النفوس الكريمة والهمة العالية. ببساطة قال " ناصر "…أصبح الجزائري يفكرفي وجوده في البلاد، كما يفكر المستأجر اللئيم في البيت الذي يسكنه …فهولا يأمل في أن يغير فيه قيد أنملة ولا يصلح فيه أي عطل، بداعي أنه مستأجر والبيت ليس بيته !! أضاف قائلا .. وأتمنى أن تكتب بذات يوم على لساني، أن صمت الوالدين والأهل والأسرة أمام إسراف أولادهم في قروض تشغيل الشباب وإصرار بعضهم على عدم إرجاعها رغم أن خزينة الدولة هي التي تدفعها من (أموال الشعب طبعا)، هو الذي يسحب من الشعب الحق في محاسبة حكامه اللصوص والذين ينهبون خيرات البلاد بغير وجه حق. لم أستطع أن أوقف تدفق كلام صاحبي، فلقد واصل حديثه غير مبال بمشاريع أجوبتي.. انظر إلى نظافة شوارعنا التي بلغت حالة من التردي أصبحت معها مثالا لقذارة قل نظيرها، انظر إلى حدائقنا التي تحولت إلى أماكن للرذيلة والفساد والمنحرفين… لست مضطرا لاستراق السمع، فالكلام الفاحش سيخترق أذنك شئت أم أبيت، وسيصل إلى فناء بيتك أو إلى عمق غرفة نومك. تفحص وجوه الناس في الشارع ستجدها متجهمة لا تعلو محياها أي ابتسامة أو نظرة أمل، حال الإدارة لا يسرالخاطر، الموظفون جزائريون هم أيضا ولكنهم لا يعاملون المواطنين إلا كمعاملة الكولون أو " بيرو عرب "، أيام الاستدمار الفرنسي. هممت بقطع الاتصال بصديقي، فلقد زاد في منسوب همي وغمي أضعافا مضاعفة، وتذكرت في الأثناء موقف المزارع الانجليزي الذي رفض بيع أرضه ليترك للناس فرصة التمتع بالريف، لأنه يحب للناس ما يحبه لنفسه.. تزاحمت في ذهني قصص الدمار الذي ألحقناه بسهول متيجة وكل السهول المترامية الأطراف في وطني الغالي، فلقد قادتني زيارة عائلية إلى جيجل الصيف الماضي، وكدت أنفجر غضبا مما آلت إليه حقول البرتقال والليمون والتين والزيتون.