لا تكفي الحروف أحيانا للتعبير عن فكرة أو قضية، فالريشة قد تتجاوز خربشاتها الكلمة لتصلك بالمعنى في صورة أبلغ، فالحيز الذي أخذه الكاريكاتير في الصحافة اليوم دليل قاطع على جرأة الريشة وقدرتها على الوصول إلى الهدف وهو ما أكسبها جمهورا عريضا ومتابعين والرسام سمير بوحالة واحد من الفنانين الذي اثبتوا أن الفكرة التي تختفي بين زوايا الرسم أكثر حرية مما يختبئ بين السطور. حاورته: سهام حواس
حدثنا عن بداية العلاقة بين الرسّام والكاريكاريست سمير بوحالة مع الرّيشة ؟
بّدأت الرّسم وأنا صغير جدّا … مع تعلّمي لحمل القلم تقريبا … كنت أرسم على التراب وكانت اللعبة المفضلة لدي خارج البيت لأنه يتيح لي الرسم وتصحيح الأخطاء دون إضاعة الحبر ولا الأوراق وكنت أنتظر نهاية السنة الدراسية بشغف حتّى أحصل على الكراريس القديمة وبعض الأوراق من إخوتي المتمدرسين، وقد كبر معي هذا الحب في جميع أطوار الدراسة وكانت رسوماتي تزين كل الأقسام التي درست بها تقريبا، كما كنت أحصل على أغلب الجوائز في المسابقات التّي أدخلها في مدينتي لدرجة استثنائي في بعضها من طرف المنظّمين. وقد تحوّل اهتمامي لمجال الكاريكاتير أكثر حين كنت في السّنة الثّامنة متوسّط أين قدّمت بحثا حول مجازر 08 ماي 1954 في شكل رسوم كاريكاتوريّة من بدايته إلى نهايته فأعجبت به أستاذة المادة وشجّعتني على المواصلة بعدما احتفظت بالبحث ونشرته في المؤسسة، وأثناء دراستي الجامعيّة الأولى أقمت معرضا هو الأول لي في مسيرتي بحوالي 60 لوحة كاريكاتوريّة وقد كان صداه رائعا، وحين كانت جريدة "الحوار" تستعد للصدور من جديد، منحني الأستاذ نصر الدّين قاسم وقد كان رئيس تحريرها شرف النشر على صفحاتها أنا والكثير من الشباب المتميّزين في تلك الفترة، فكانت تجربتي الأولى في يومية وطنيّة، بعد أن نشرت قبلها في أسبوعيّة محليّة.
من أثر فيك من الكاريكاتوريين في بداية حياتك الفنّيّة ؟
أكثر من أثّر في بداياتي كرسّام للكاريكاتير هو الرسّام عبد القادر عبدو المعروف بأيوب والكثير من الرسّامين العرب والأجانب من كنت أصادف رسوماتهم في مختلف المنشورات والدوريات العربية منهم على الخصوص ناجي العلي الذي كان كثير الانتشار في ذلك الوقت بسبب القضية الفلسطينيّة … كما أتأثّر يوميّا بكلّ الرسّامين مهما كان شأنهم لأنّي مؤمن بأنّه قد يوجد في النّهر ما لا يوجد في البحر.
هل هناك علاقة بين الصحافة وفن الكاريكاتير ؟
أكيد هناك علاقة وطيدة وتكاملية بين فنّ الكاريكاتير خصوصا في الوقت الحاضر، فالصحافة هي من تضمن الانتشار ووصول رسالة الرّسم لأكبر شريحة من الجمهور وفي المقابل الرّسم يمنح للجريدة إضافة ممتازة من حيث إثارة اهتمام الكثير من القراء للجريدة مثلا ويجلب لها الكثير من المتابعين ويرغّبهم في القراءة، والرسّام الجيّد هو من ينشر الخبر ويحلّله حسب وجهة نظره بطريقة مباشرة في رسمه بالوسيلة الإعلامية، فيمنح الخبر ويمنح التّحليل ويمنح التّعبير الجميل في الرسم.
هل يمكننا إدراج فنّ الكاريكاتير في العالم العربي كأحد الأعمدة الأكثر حرّية ؟
الأمر نسبي ومعقّد أيضا … فعلى اختلاف البلدان العربية واختلاف توجهاتها تختلف معايير الحريّة عند كلّ منها، فالمسؤول العربي لازال يخاف من مواجهة عيوبه في مرآة الرسم الكاريكاتوري ولازال يعتبره العدو الأوّل على عكس المسؤول الغربي الذي يتسابق ويتمنّى أن يكون موضوعا لرسم كاريكاتوري أو انتقاد لاذع أو موضوع للسّخرية لأنّه يرى في ذلك أهميّة لشخصه ومقياسا لتأثيره على المجتمع، والثّابت أنّ الحريّة لا تعطى، لهذا فالجرأة وحدها هي من ترفع سقف الحرّية والّذّي أراه يتضاءل بشكل رهيب في البلاد العربيّة عامة والجزائر على الخصوص.
هل تخضع نفسك وأفكارك إلى مقصّ الرّقابة الذّاتية أثناء عملك على إحدى الرسومات ؟
حين أرسم فأنا أرسم ما أفكر فيه ويعبر عن رأيي بكل قناعة وحسب ما يمليه علىٍّ ضميري وتربيتي لهذا فأنا أرسم دون وصاية من أحد باعتبار أني أمارس حقّي في حرّية التّعبير وواجبي في أداء مهنتي والرّسالة المخول بتوصيلها ولا أحاول تقليد أحد في ذلك أو التشبّه بمن يحملون معتقدا مخالفا لمعتقدي وثقافتي كما يفعل البعض فأضيع البوصلة، ويضيع المغزى والهدف.
الكاريكاتير هو المقال الّذي يحكي كلّ شيء … ما هو تعليقك ؟
في رأيي من الظّلم المقارنة بين المقال الصحفي والرسم الكاريكاتوري وذلك لعدّة جوانب: فالمقال مثلا له جمهوره الخاص والمحدود وهو الطبقة المثقّفة، كما أنّه يفهم كما يقرأ ولا يمكن الاسترسال في تحليلات أخرى له، كما أنه تحصيل حاصل في الجريدة ولا يمكن أن يكون جالبا للقرّاء إلا إذا كان صاحبه معروفا، كما أنّ المقال الصّحفي له وسائل نشر خاصة وضيّقة مقارنة بالرّسم الكاريكاتوري، والرّسم الكاريكاتوري بإمكانه أن يصل إلى أكبر شريحة من الجمهور الواسع ولا يقتصر على طبقة معيّنة ويصل بصورة أسرع من المقال، كما أنّ الرسم الكاريكاتوري يحتمل أكثر من معنى ويمكن لأيّ شخص أن يفهمه بفهمه الخاص والذّي ليس بالضرورة أن يكون ما قصده الرسّام. والرّسم الكاريكاتوري مجال نشره أوسع ولا يحتاج صاحبه أن يكون معروفا حتّى يجد الانتباه والقبول غير أن ما يمكن أن يتشارك فيه المقال الصحفي والرّسم الكاريكاتوري هو أنّ كليهما عصارة تفكير وتحليل وتدقيق وأنّ ما يقوم بهما هو شخص خاص متميّز ليس من عامة النّاس.