وسيروا في مناكبها زيارتي إلى الهند جعلتني أصحح الكثير من المفاهيم التيكانت مغلوطة لدي، سواء من حيث التاريخ وعلاقة المغول بالإسلام، أو من حيث الجغرافيا وتواجد الأقليات الإسلامية هناك. فالهند ثرية من الناحية الثقافية والدينية .. وصولي إلى مطار نيودلهي جعلني أعود إلى الوراء بذاكرتي إلى الرموز الذين صنعوا الفلسفة البوذية للهند وفكرة لا حرب ولا سلم، وقد شاركت في أحد المؤتمرات الخاصة بالروابط العائلية أثناء النزاعات المسلحة؛ وبالأخص وأن المنطقة عرفت العديد من الحروب في البنغال، سيرلانكا، البنغلادش والباكستان .. ومن المفارقات أن الهند تضم معالما أثارية تستقطب عددا من السياح، وذلك بفضل المعالم الإسلامية الكثيرة والمتعددة؛ وقد عرفت أن إحدى العجائب السبع في العالم متواجدة على بعد ثلاث مائة كيلومتر من العاصمة؛ في منطقة "أقرة"، -والمقصود منه " تاج محل "-وهي من العجائب السبع التابعة للأوقاف الإسلامية؛ الشاهدة على عمق ونوعية الحضارة الإسلامية، وأثناء زيارتي تذكرت حقبة من حقب الزمنية التي مرت بها الهند وهم التاتار أو ما يعرف بالماغول، فكنت أرثيهم على الرغم من التاريخ الدموي والوحشي الذي مرّ على تلك المنطقة من تقتيل وهمجية إلا أنهم ورغم همجيتهم أسسوا لحضارة عريقة في أرض قاحلة، فقد تنبهر بالفن المعماري الإسلامي؛ والآيات القرآنية المنقوشة تذكرك ببعض المعاني الإيمانية في فلسفة الحكم وفن التسيير، وأثناء سيري نحو المدينة تبدو مظاهر الفقر والأمية بادية على خط السير من خلا ل البنايات البسيطة؛ أو الوظائف البدائية وهي كلها مؤشرات على النسبة العالية للفقر والتهميش. ومن المفارقات الهندية في المقابل تعتبر الهند؛ لها أكبر أقلية إسلامية في العالم إذا ما قورنت ببعض الدول في العالم الإسلامي قد تفوقهم بأضعاف وأضعاف من حيث الكثافة السكانية؛ ورغم ذلك رفض لها صفة "المراقب " في منظمة المؤتمر الإسلامي، لكون جارتها لها بعض المشاكل الحدودية، وعليه تمت المعارضة على الانضمام؛ وأثناء تواجدي في نيودلهي زرت العديد من المواقع التاريخية؛ وأغلبها إسلامية " كالمنارة " والمقابر المغولية " والعديد من القصور المغولية؛حيث يوحى لكل زائر وكأنه لا ديانة إلا ديانة الإسلام تستحوذ على الهندوس على الرغم من وجود العديد من المعابد البوذية؛ وهذه الصورة قد صححت العديد من المفاهيم. لم تكن رحلتي إلى الهند عابرة بل تعلمت منها الكثير، ولعل أول درس تعلمته هو أن المحافظة على التاريخ هو بمثابة العودة إلى الذات لتغيير الواقع والتطلع إلى المستقبل بنظرة مشرقة.