سقطة أخرى تسجلها السينما الجزائرية بتوقيع المخرج التلفزيوني والمسرحي علي عيساوي مخرج فيلم "البوغي" المندرج ضمن انتاجات تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، وهو العمل الذي يمكن إدراجه ضمن صنف الأفلام التلفزيونية البعيدة عن الأعمال الروائية السينمائية. لم يوفق علي عيساوي الذي قدم أول أمس العرض الشرفي لفيلمه "البوغي" بقاعة الزينيت في قسنطينة بحضور وزير الثقافة عز الدين ميهوبي والوفد المرافق له ، في التخلص من أدواته المسرحية والتلفزيونية وهو يقف على إخراج الفيلم الروائي المطول البوغي الذي يقدم فيه قصة حب "نجمة (سارة سلامة) وساعد(عباس ريغي)" الخيالية الأسطورية اللصيقة بالموروث الثقافي القسنطيني، ضمن مناخ تاريخي حقيقي يتعلق بسقوط قسنطينة في يد الاحتلال الفرنسي عام 1837. حيث اشتغل عيساوي على مشاهد تلفزيونية ملحمية، خاصة فيما يتعلق بالمعارك معتمدا تقنية الديكور الافتراضي الذي أنقص كثيرا من القيمة الفنية والجمالية للعمل. كما لم يسلم علي عيساوي من الوقوع في فخ الكثافة الدرامية وهو الخطأ الذي يتقاسم مسؤوليته مع كاتب السيناريو سعيد بوالمرقة الذي قدم أوراقا بدت ثقيلة على عدسة المخرج والتي أبدت ضعفا كبيرا في نسج السياق الدرامي للعمل الذي قدم في خطين متوازيين لم يلتقيا أبدا على طول زمن الفيلم الذي جاء في ساعة وخمسين دقيقة. حيث بدت المشاهد مبتورة ومشوشة تسير وفق نسق عمل وثائقي تلفزيوني تاريخي يفصل بين تاريخ سقوط قسنطينة وحكاية نجمة المخلدة في القصيدة الشهيرة التي كتبها حبيبها "سعد العنابي" حزنا وولعا على فراق نجمته التي يزوجها أهلها لابن عمها وفقا للعادات القديمة لأعيان قسنطينة. وككل عمل تاريخي يحاول فيه كاتب النص أن يقول كل شيء، فإنه يفشل في أن يقول اهم شيء. وهو حال فيلم البوغي الذي أهمل الجزء واشتغل على الكل الذي ضاعت فيه كاميرا عيساوي التي قدمت الكثير من المشاهد المجانية التي كان من الأولى التخلي عنها دون أي مساس أو إخلال بقيمة العمل. من جهة أخرى لا يكاد المتتبع لتفاصيل فيلم البوغي أن يفهم كيف للثنائي علي عيساوي وسعيد بوالمرقة أن يقدما نجمتهما على أنها أهم من قسنطينة في عز مرحلة سقوطها بين أيدي المستعمر الفرنسي في الوقت الذي كان من المفروض أن تقدم نجمة كرمز أو حكاية واحدة من بين عشرات الحكايات التي كانت تخبئها قصبة قسنطينة. تبقى جزئية توظيف المخرج للموروث الثقافي وخاصة الموسيقي القسنطينية الأهم في هذا العمل الذي يقدم سيرتا في بطاقة فنية راقية تعكس ثقل تراث المدينة وعراقة أهلها، خاصة وأن الصورة العامة للعمل أظهرت اجتهاد الفريق على تفاصيل الملابس والديكورات وحتى اللكنة القسنطينية التي استحضرت ملامح قصبة قسنطينة حتى وإن كان العمل قد صوّر في ديكور افتراضي. تفاصيل وملامح أعطت مصداقية كبيرة للممثلين الذين تراوح أداؤهم بين الجيد والمتوسط وهو حال بطل الفيلم نجم أغنية المالوف وابن قسنطينة عباس ريغي الذي يقدم دور البطولة في أول تجربة تمثيل له والتي كانت لتفشل لولا المشاهد الذي قدمها وهو يغني بصوته المتميز الذي طغى على أدائه، على عكس سارة سلامة "نجمة" التي قدمت أداء متميزا رفقة خادمتها حنة اليهودية (صبرينة بوكرية)،التي أظهرت أداء قويا لم يقل عن مستوى النجم الكبار الذين شاركوها العمل على غرار جمال دكار الذي يقدم دور اليهودي وعبد الباسط خليفة في دور قائد الجيش وحتى عنتر هلال الذي لم يظهر إلا في مشهدين في دور المالطي لكنهما كانا من بين أقوى المشاهد في العمل على مستوى الإسقاطات التاريخية للعمل. وللاشارة فإن فيلم البوغي يعتبر ثاني فيلم روائي مطول يتم تقدمه ضمن عروض دائرة السينما في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية بعد فيلم وسط الدار للمخرج سيد علي مازيف فيما لاتزال باقي الأفلام قيد الإنجاز و قسنطينة تتأهب هذه الأيام لتسليم مشعل التظاهرة لمدينة صفاقص التونسية. من قسنطينة: خيرة بوعمرة