بقلم: خليل بن الدين لم تنته قصتنا مع تسريبات أسئلة البكالوريا بعد، وهاهي أولى خيوط التحقيق الذي باشرته المصالح الأمنية تتكشف، كما أن مسألة إعادة بعض الاختبارات قد حسمت والطلاب يتحضرون من جديد للشهادة المصيرية في حياتهم.. ليس وحدهم الطلبة من يحضرون أنفسهم لهذا، فالمعلمون والأساتذة يعيشون مصير طلابهم، يتفاعلون معهم، يغضبون لغضبهم ويفرحون لفرحهم ونجاحاتهم. كلمتني هاتفيا أستاذة من قريباتي والدمع الحار يسبق صوتها تشكو لي مصير طلابها بعد التسريبات. تصفهم بالأبناء، فهي تعتبر طلابها أولادا لها، وذلك كان دائما ديدن المخلصين من الأساتذة والمدرسين. بنفس الحرقة، عاش الأساتذة كابوس التسريبات، وبنفس التحدي والآمال يحضرون أنفسهم لإعادة الاختبارات بعد أيام. فمن وقتهم وراحتهم يقتطعون زمنا وجهدا كفيلين بمحو مسحة حزن علت وجه مدرسة أراد لها البعض أن تكون وسيلة لصراعات خفية. فالمعلم هو قدوة الأولاد والمجتمع. كتب عمر بن عتبه إلى أحد معلمي ولده: "ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونَهم معقودة بعينك، فالحسنُ عندهم ما صنفت". كان المعلم وما يزال محترما مبجلا في أمم تعرف حق المعرفة أن سموها ورفعتها لا تكون إلا بالعلم، فالمعلمون هم بناة الأجيال، بصلاحهم يصلح النشء وتتطور الشعوب، وبعدم احترامهم ونقص رعايتهم تتداعي الأمم وتزول. وإذا كان رسولنا الكريم يرفع من مرتبة العلماء فيصفهم بورثة الأنبياء، فلقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر رواه أنس بن مالك: (إن مَثل العلماء في الأرض، كمثل النجوم في السماء يُهتدى بها في ظُلماتِ البرِّ والبحر، فإذا انطمستْ النجوم، أوشك أن تَضِلَّ الهُداة). قال الكاتب الروسي الكبير "انطوان تشيكوف": (دون شعب مثقف ثقافة واسعة ستنهار الدولة، كالبيت المشيد من طوب لم ينضج جيدا) وكتب بعد فترة رسالة لصديقه "مكسيم جوركي" شاكيا فيها أحوال التعليم في بلاده، قائلا إن المعلم هو شعاع الضوء الذي يُبَدِّدُ الظلام، وأنه لو كان يملك مالا كثيرا لوَفَّرَ للمعلمين كل وسائل العيش الطيب بدون خوف من رواتب زهيدة. فمن حق المعلمين على المجتمع، أن يوفر لهم ظروفا استثنائية جيدة، حياة كريمة ورواتب مجزية وإجازات طويلة يستحقونها بلا جدال.