بقلم : خليل بن الدين تُعد الهدايا بين الناس عربون محبة وصداقة، وتأخذ طابعا أكثر جدية ورمزية ديبلوماسيا عندما يتعلق الأمر بالهدايا التي يتبادلها رؤساء الدول وملوكها، فترتقي الهدية من كونها تمظهرا إجتماعيا، إلى ارتكاز سياسي بالغ الدلالة في العلاقات بين الدول. في هذا الإطار أهدى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز هدايا تذكارية كان إحداها إطار مُذَهَبٌ لعدد قديم من جريدة (بالستاين بوست (palestine post)،). تعود إلى السيد "غوغل" لمعرفة تاريخ هذه الجريدة، فيُغدقُ عليك بمعلومات تصدمك وتشلُّ تفكيرك. فالجريدة المذكورة "بالستاين بوست" هي الصحيفة الأم لجريدة "جيرو زاليم بوست" الإسرائيلية الصادرة بالإنجليزية. والتي تأسست عام 1925 تحت اسم "بالستاين بوليتان" بواسطة "وكالة التلغراف اليهودية"، وكانت ناطقة باسم الحركة الصهيونية وداعمة لاحتلال فلسطين. ولأن غلاة المستعمرين أمعنوا في محو كل آثار فلسطين، حتى الأسماء منها، فقد عمدوا في سنة 1950 إلى تغيير اسمها من "بالستاين بوست" إلى "جيرو زاليم بوست". وإذا كانت هذه المعلومات توجد فقط على بُعد نقرة زر بسيطة من أي جهاز حاسوب، ناهيك عن توفرها في كل الكتب التي تُؤرِّخ لتاريخ الصهيونية في فلسطينالمحتلة، إلا أنها غابت عن السلطة الفلسطينية الحالية، فورطت رأس السلطة في زلة ديبلوماسية لامثيل لها في عرف العلاقات الودية بين البلدان. فكيف يُعقل أن يُقْبِل محمود عباس في تصرف مثل هذا، وهو إن كان يعلم فحوى هديته ومعناها، فتلك مصيبة كبيرة، لأن تمجيد الاستعمار موكول للآلة الصهيونية التي تمتلك أذرعا إعلامية أخطبوطية في أرجاء العالم كله. أما إذا كان رئيس السلطة الفلسطينية لا يعلم ما أقدم على اقترافه فالمصيبة أكبر. سوف لن نسترسل في الحديث عن ترهل مؤسسة السلطة الفلسطينية وعن الرداءة التي تُسَيِّرُ دواليبها، ولكن حدثا جللا مثل قضية الهدية "المسمومة"، يُبين بما لا يدع مجالا للشك، أن بطانة غير مؤهلة تتحكم في إدارة السلطة، وهي لا تعرف حتى تاريخها الأصيل، فكيف بها أن تُسَيِّرَ السياسة الفلسطينية، ومستقبل شعب مزقته الانقسامات الداخلية، والتجاذبات الخارجية. لم يعدم الشعب الفلسطيني ثقافة ولا موروثا شعبيا يرفع به هامته بين أمم الدنيا وشعوبها، فميراثه عميق عمق التاريخ، ومآثره لن تمحها غباوة موظفين أو جهلهم، أو تآمر متآمرين. إلا أن قضية الهدية ترقى إلى فضيحة بكل ما تحمله من رداءة وبلاهة وتوريط.