أ.د. علي خفيف قرأتُ منذ مدّة في الصحف الوطنيّة عن تفكيك عناصر الأمن لخلايا تنتمي للطائفة الأحمديّة، التي لم نكن نسمع بها في الجزائر، والتي تدّعي وجود نبيّ بعد رسول الله الخاتم محمد صلى الله عليه وسلّم، جاء ليجدّد الإسلام!. وقد ذكرت الصّحفُ أن هذه الخلايا تتوزّع في أماكن متفرّقة من الوطن، كما أنّ المنتمين لها من مستويات عمرية واجتماعيّة وثقافيّة متنوّعة.. والذي أثار اهتمامي كثيرا هو أنّ هؤلاء جميعا تَبنَّوْا هذا الفكر، بتأثير قناة تلفزيونيّة تبثّ من لندن!. وهنا أتساءل: كيف لقناة واحدة أن يكون لها تأثير كبير في الشّباب الجزائريّ إلى درجة دفعه إلى تغيير عقيدته؟ الأمر الذي لم تستطع فرنسا أن تحقّقه لدى جيل الآباء طيلة مائة وثلاثين سنةً من الاستدمار الرّهيب!. كيف تحقّق قناةٌ تلفزيونيّةٌ واحدةٌ ما عجزتْ عنه فرنسا؟!. بينما نمتلك نحن حظيرةً وطنيّةً هائلةً من القنوات التلفزيونيّة العموميّة والخاصّة، التي تبثّ من الداخل ومن الخارج؟! هل فعلا بلغتْ هشاشتُنا الفكريّةُ إلى أعلى مستوياتها؟ ألا تُقَدِّمُ الأرمادةُ الإعلاميّةُ الوطنيّةُ التي نملكها شيئا لتحصين المواطنين من الأفكار الغازيّة؟ أين الصّحف والجرائد والمجلات الكثيرة؟ أين القنوات التلفزيونيّة الوطنيّة؟ وأين وزارة الشؤون الدينيّة بكل منابرها؟ أين دَوْرُ وزارة الثقافة في حماية الأمْنِ الثقافيّ الوطنيّ؟ أين وزارة التربيّة ببرامجها في التربيّة الدينيّة والثقافيّة؟ أين المجلس الإسلاميّ الأعلى؟ أين الأحزابُ بكل أجهزتها الدّعائيّة، التي لا تُشَغَّلُ إلا لجمع أصوات الناخبين قُبَيْلَ الاقتراع بأيّام معدودة؟ وكأنّ التَّكوين الثَّقاقيّ والسّياسيّ للمناضلين والمواطنين ليس من مسؤوليتها!. أين آلاف الجمعيّات التي تأخُذُ الدّعم الماليّ من أجل انتشال الشباب من مخالب الجهل والفراغ ؟ أين دَوْرُ الكُتّاب والمثقّفين والمجتمع المدني برمّته؟ إن ّكلّ الأطراف السّابقة تمثّل الدّرع الواقي الأهمّ للأمّة، ودوْرُها أن تُدَعِّم الحصانةَ الفكريّةَ للمواطنين، فإذا انهزمتْ هذه القوّة الحيّة كلُّها أمام قناة تلفزيونيّة واحدة.. فكيف لها أن تواجه الموجات الفكريّة العاتيّة التي تبثّها يوميّا مواقع التّواصل الاجتماعي، وغيرها من منابر الغزو الثقافيّ الدّوليّة العملاقة؟ فعلى الرّغم من أنّني لا أدعو إلى التّضييق على حريّة المواطن في الاطّلاع والرّأي، إلا أنّني أدعو المنظومة الإعلاميّة والثّقافية والتربويّة الوطنيّة أن تعي دورها في المنافسة وصناعة الرّأي، وأن يكون لها برامج مدروسة ومتكاملة لحماية المناعة الفكريّة الوطنيّة، يكفينا أننا فرّطنا في مرحلةٍ ما في هذا الجانب، فارتمى بعضُ المغرَّر بهم من مواطنينا في أُتون الإرهاب، وارتمى بعضُهم في أحضان الإجرام والمخدِّرات، كما أسْلَم بعضُهم نفسَه للبحر ليأكلَهُ الحوتُ بدلا من الدّود.. لأنّ الطّبيعة تخشى الفراغ.. فلا يجب أن نغفل مرّة أخرى ونترك شبابَنا يرتمي في أحضان التّنصير والتشيُّع والنِّحَل والمِلَل.. والعبثيَّة والشّعور بالضّياع والإحباط، بفعل الفراغ الثّقافي والقَحْطِ المعرفيّ والأزمات الاجتماعيّة المختلفة.