لا يزال ملف الصيرفة الإسلامية يطرح بقوة على الساحة الاقتصادية، كون التعامل وفقها اليوم أصبح أكثر من ضرورة، مع تراجع مداخيل الدولة من العملة الصعبة وعزوف المتعاملين الاقتصاديين على وضع أموالهم بالبنوك مما أفقد الأخيرة جزءا كبير من سيولتها التي فشلت الدولة في استعادتها من خلال التحفيزات التي بدأت فيها منذ عامين، متجاهلة دعوات الخبراء الاقتصاديين الذين يؤكدون على ضرورة الاتجاه نحو التعاملات المالية الإسلامية التي ستعمل على كسر الحاجز الديني بين المواطن والبنك وتسمح بالخروج بطرفين رابحين. ورغم كشف وزير المالية، حاجي بابا عمي، الشهر الماضي عن تحضير الحكومة لإطلاق قروض بنكية إسلامية "حلال" على مستوى البنوك العمومية، بداية من السنة الجارية، بعد مشاورات أطلقتها مصالح وزارة المالية مع باقي القطاعات المعنية، لبحث إمكانية وطريقة تجسيد القرار في أقرب الآجال الممكنة، إلا أن تفاصيل إطلاق هذه القروض لم تعرف النور لحد الساعة رغم أخذ وزارة المالية للضوء الأخضر من الحكومة بغرض الشروع في إطلاق صيغة جديدة من القروض على مستوى البنوك العمومية تكون "حلال"، أو ما يعرف بالقروض الإسلامية التي تتعامل بها البنوك الإسلامية، حيث يبدو من خلال تصريحات بابا عمي أن الحكومة قد اقتنعت أخيرا بعدم جدوى النظام المصرفي الذي تتعامل به مع المجتمع الجزائري الذي أثبت عدم تفاعل أغلبه مع منتجاته خاصة منها القروض والسندات، وهذا خوفا من النسب "الربوية" التي تتضمنها هذه الأخيرة، ويتجلى ذلك من خلال حصيلة القرض السندي الذي طرحته وزارة المالية على الشعب السنة الماضية ولم يحقق الأرقام المنتظرة منه، كما يتضح ذلك جليا في فشل إقناع الحكومة لمن يعرف ب"أصحاب الشكارة" بإدخال أموالهم إلى البنوك قصد زيادة سيولتها وإرجاعها إلى دائرتها الرسمية، وهو ما دفع بالحكومة إلى التفكير في أساليب أخرى تكون أكثر فاعلية ولعل من بينها القرض السندي في حلته الجديدة. ويتقاطع ذلك مع التحفيزات التي يقوم بها بنك البركة والتي من المنتظر أن تحقق نتائج خيالية، حيث يعتزم منح قروض بنكية لصالح مكتتبي السكن الترقوي العمومي، وتمكين المكتتبين من شراء سكناتهم عبر تمويل بنكي شريطة الحصول على عقود الإيجار المنتهية بالتمليك، وهذا بعدما أعلن عن نيته في منح قروض حلال من أجل اقتناء جميع السيارات المنتجة في الجزائر وتوسيع التعامل مع الممولين على غرار علامة هيونداي المصنعة من قبل مجمّع طحكوت وكذا مجمع فولسفاغن.
* من الحلول الناجعة لنجاح النموذج الاقتصادي الجديد وفي هذا الصدد وتعليقا على أسباب تأخر الحكومة في فتح المجال أمام الصيرفة الإسلامية رغم أنها تعتبر من الحلول الناجعة لنجاح النموذج الاقتصادي الجديد خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، قال الخبير الاقتصادي والمختص في الصيرفة الإسلامية الدكتور سليمان ناصر في حديث مع "الحوار" بأن السبب الحقيقي وراء هذا التماطل يظل مجهولا إلا أنه يعتقد أن له مجرد تخوف من كل ما هو إسلامي وربطه بأحداث التسعينيات، داعيا الحكومة في السياق إلى أخذ النموذج الأوروبي والآسيوي الناجح في تطبيق مبادئ الصيرفة الإسلامية خاصة وأن الوقت الذي تمر به الجزائر يستدعي بشدة الاعتماد على هذا النظام المصرفي المبني على أسس "حلال"، ضاربا مثالا بما حققته الإمارات العربية المتحدة والسعودية في مجال الصكوك الإسلامية وعلى رأسه مطار المدينةالمنورة الذي بني نصفه بهذه الصكوك وترجع مداخيله اليوم إلى أصحابها. كما شدد الدكتور سليمان ناصر على ضرورة عدم الخلط بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية أو التجارية، داعيا الحكومة إذا كانت حقا تريد التعامل بالصيرفة الإسلامية إلى فتح بنك إسلامي قائم بذاته، رافضا مبدأ إنشاء شبابيك إسلامية داخل البنوك العمومية والخاصة وهذا راجع إلى عدة أسباب منها أن هذه البنوك لا يمكنها ضمان عدم اختلاط أموال الصكوك الإسلامية بالأموال الأخرى، بالإضافة إلى كونها لا تمتلك هيئة رقابة إسلامية على الأموال التي تدخل وتخرج من هذه البنوك. ليلى عمران