اعتبر الصحفي حكيم زموش، أن البيئة المناسبة هي من تمنح الصحفي القدرة على التميز وإثبات ذاته، والدليل ما يسجله عشرات الإعلاميين الجزائريين في الخارج من نجاحات بعد أن وجدوا التربة الإعلامية الخصبة والمناخ الملائم للإبداع، ويؤكد الصحفي بقناة "فرانس24″ أن الوضع الإعلامي في الجزائر يحتاج إلى تنظيم محكم حتى لا نقع ضحية فوضى إعلامية قد لا نتحكم في تبعاتها. *في البداية، كيف كانت أولى خطوات عبد الحكيم زموش في ميدان الإعلام؟ – البداية كانت نهاية عام 1999 وبالضبط بالإذاعة الثقافية، بدأت في قسم الربورتاج بتشجيع من السيدة سعاد سرحان والزميل جمال شعلال، طبعا كانت بداية صعبة اشتغلت خلالها بالقطعة وأنا أدرس في الوقت نفسه بمعهد العلوم السياسية تخصص علاقات دولية، كانت تجربة رائعة دامت أكثر من سنة ونصف تعرفت خلالها على العديد من الزملاء والأساتذة، من بينهم الأستاذ مصطفى ماضي والأستاذ ناصر جابي والأستاذ بشير مصيطفى، من خلال تنشيط حصص ثقافية وتربوية. مروري بالإذاعة الثقافية كان من الأشياء الجميلة التي حدثت لي، تعلمت من خلالها الكثير، وكانت بمثابة التربص الحقيقي الذي فتح لي المجال فيما بعد لدخول معترك مهنة المتاعب. من الإذاعة الثقافية انتقلت إلى القناة الأولى، بعد أن اتصل بي محمد شنيوني، الذي كان حينها مسؤول عن البث ومنتج لبرنامج يهتم بالشباب اسمه "نيو جيل"، حيث التحقت بالزميلة فريدة براهيمي، والمخرج ياسين مناصر، لتقديم البرنامج الذي كان ضربة البداية في القناة الأولى، بعدها اشتغلت بالتنشيط الإذاعي خاصة برنامج "صباح الخير"، قبل أن التحق عام 2001 بقسم الأخبار كمقدم لنشرات الأخبار ثم للبرنامج السياسي "تحولات" الذي كان يقدمه قبل ذلك الزميل محسن سليماني الذي أصبح مديرا للقناة الأولى خلال تولي زواوي بن حمادي لمنصب المدير العام للإذاعة الجزائرية، كانت تلك الفترة -حسب رأيي- من أهم المراحل خلال وجودي بالإذاعة حتى مغادرتي عام 2006، أذكر فقط أنني مررت بالتلفزيون من خلال برنامج "تحولات اقتصادية" الذي قدّمت منه ثلاث حلقات قبل مغادرتي إلى باريس. *هل هناك مقاييس محددة لوصول الإعلامي الجزائري إلى القنوات العربية والعالمية؟ – المقياس الوحيد -حسب رأيي- هو الكفاءة والقدرة على التأقلم والقدرة على اكتساب معارف جديدة وتقنيات العمل الصحفي. الصحفي الجزائري أثبت ذلك من خلال وجوده في العديد من القنوات العربية والدولية، الصحفي الجزائري موجود عبر جميع أنحاء العالم ويقدم عملا مهنيا عالي المستوى، وهذا يدل على أن ما ينقصه فقط هو البيئة المناسبة لممارسة المهنة، صحيح أن هناك نقص في التكوين، ولكن ذلك يمكن تجاوزه إذا ما أتيحت الظروف المناسبة له كي يكشف عن قدراته المهنية، أتحدث عن تجربتي الخاصة التي قادتني من الإذاعة الجزائرية إلى إذاعة "الشرق" بباريس ثم إلى قناة "فرانس24". أعتقد أن ما حصلت عليه من خلال عملي بالجزائر، سواء بالإذاعة أو بالصحف الجزائرية، كان بمثابة التجربة التي تمكنك في النهاية من الوصول إلى أبعد نقطة في المهنة. *هل تعتقد أن الإعلامي الجزائري رهين سياسة القناة العربية أوالغربية التي يعمل معها، خاصة إن كانت معادية لسياسة بلاده، وبصورة أخرى هل تعتقد أن الإعلامي الجزائري يواجه ضغوطات من قبل القناة التي يعمل تحت اسمها، أم أنها خيارات وآراء شخصية لا علاقة لها بمواقف الدول والقنوات العربية التي يعملون بها؟ -أتحدث هنا عن تجربتي الخاصة، ولا يمكنني الخوض في تجارب زملاء آخرين، فيما يتعلق بتجربتي، سواء في إذاعة "الشرق" أو "فرانس 24″، ليس هناك أي ضغوط أو محاولة للتأثير على توجهاتي أو قناعاتي، هناك الخط التحريري للقناة مثلما هو الأمر في جميع القنوات، ولكن أؤكد أن سقف الحرية عال جدا، وأن الصحفي حر في عمله في إطار التوجه العام للقناة، هناك صورة نمطية في الجزائر عن العمل الإعلامي في القنوات الأجنبية، وأن هناك توجيه للخبر، هذا الخلط بين السياسي والإعلامي (ولو أن التداخل وارد) فيه الكثير من المغالاة. حسب رأيي طريقة العمل وفلسفة التغطية الإعلامية واختلافها هو الذي يؤدي إلى هذه الهوة العميقة في الفهم والطرح، هنا في فرنسا مثلا لا يجب أن ننسى أن هناك جمعية الصحفيين في كل مؤسسة إعلامية، وهذه الجمعية تنتخب وتمارس مهمة الرقابة على الخط التحريري وتطرح أسئلة على مدير القناة وعلى هيئة التحرير وتستوضح الأمور حول خيارات تحريرية قد لا تلقى الإجماع المطلوب. شخصيا انتخبت في فترة ما في هذه الجمعية قبل أن أصبح رئيسا للتحرير، مستوى النقاش والتحليل عال جدا، وهو ما يسمح بكبح التجاوزات التي قد تحدث من خلال قرارات فردية لأي مسؤول في التحرير أو رئيس للتحرير، هذه الثقافة المهنية كفيلة بأن تضمن إلى حد كبير المهنية في تناول الخبر وحيادية لا أقول مطلقة ولكنها عالية جدا. الإجابة وبصراحة، لا، لم أتعرض في يوم ما لضغوط تتعلق بجنسيتي أو بسبب قيامي بعملي، أذكر أني كنت محللا للشؤون الدولية لعدة سنوات، ولم أسأل ولا مرة عن ما قُلته على المباشر أو كُتب على الموقع. *وكيف تقيّمون التجربة اإعلامية في الجزائر اليوم بعد فتح قطاع السمعي البصري، وماهي نظرتكم لمستقبل اإعلام في بلادنا؟ -تجربة السمعي البصري في الجزائر تذكّرني ببداية التسعينات والحركية الإعلامية التي عرفناها خلال تلك الفترة من خلال ميلاد العديد من العناوين في الصحافة المكتوبة، كان هناك سباق نحو التموقع وهو ما يحدث اليوم لأننا بحاجة إلى تطوير إعلام سمعي بصري يستجيب لمتطلبات المرحلة، هناك غزو فضائي من خلال القنوات الفضائية، وغزو إلكتروني من خلال مئات المواقع، نحن بحاجة لأن يكون لدينا فضاؤنا الخاص الذي يناسب سياسة البلد ويناسب أيضا ثقافة البلد، الطبيعة تخشى من الفراغ، وأي فراغ يملأ من قبل إعلام قد لا نتحكم في تبعاته وقد لا يناسب ما نريد بناؤه، ولا يتناسب ومشروع المجتمع الذي نطمح إليه، هناك من يرى أن ما يجري اليوم هو فوضى إعلامية وقد يكون ذلك صحيحا بالنظر إلى عدد القنوات، وإلى الطريقة التي تبث بها هذه القنوات والبرامج المقدمة، لكن أنا متأكد أن ذلك لن يدوم وأنها مجرد مرحلة انتقالية ضرورية والمستقبل سيكون أكثر استقرارا بعد أن تثبت المشاريع الطموحة وتأخذ طريقها نحو المهنية الإعلامية. *وماذا ينقص الإعلام عندنا حتى يصل إلى ما وصل إليه الإعلام العالمي خاصة في ميدان الأخبار؟ -للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نوضّح نقطتين أساسيتين، أولا: كثيرا مانتحدث عن الحرية الإعلامية وحرية الوصول إلى المعلومة وحماية المصدر، وهو أمر ضروري لممارسة المهنة، وضرورة من ضروريات العمل الإعلامي الذي يبقى هدفه الأساسي إيصال المعلومة الصحيحة للقارئ والمشاهد، لكن الحرية وحدها لاتكفي، فهناك المهنية في الطرح واحترام مقاييس العمل الإعلامي ومواكبة التطورات التي تعرفها المهنة، سواء ما يتعلق بفنيات التحرير والكتابة أو التقديم والبث، و من جانب التطور التكنولوجي الذي نعيشه اليوم، وضرورة التأقلم مع كل المستجدات. ما نعاني منه في الجزائر ليس غياب الحرية الإعلامية بقدر ماهو غياب المهنية الإعلامية والتساهل، مع ضرورة أن يكون العمل الإعلامي خال من العيوب ولا تشوبه شائبة، التساهل مع الأخطاء اللغوية والتقنية إلى حد الإساءة للموضوع المقترح، غياب الاهتمام بمشاكل المواطن التي هي في الأساس قلب الخدمة العمومية، سواء تعلق الأمر بالقنوات الخاصة أو العمومية، أعتقد أن المهنية هي أساس أي عمل صحفي ناجح أولا ثم تأتي الأمور الأخرى، ثانيا: التدريب والتكوين المتواصل، التدريب لأن الشاب المتخرج من الجامعة لا يمكن أن يكون في المستوى إذا لم يتلق التدريب اللازم وهو ضروري حتى يبدأ مسيرته المهنية على أسس سليمة، ولايتعود على أخطاء لا يراها أخطاء لأنه تعود على العمل بها من دون أن يُطلب منه تداركها، والتدريب في القنوات الغربية لا يتوقف، والصحفي تحسب له خلال سنوات العمل نقاط تعرف بالحق في التكوين تصل إلى 150 ساعة يستعملها متى شاء وفي أي ميدان يريد، كما أن التكوين والتدريب على التقنيات الجديدة مضمون مجانا للجميع، فالمؤسسات الإعلامية في الغرب تعي أن الصحفي المكون جيدا هو استثمار في المستقبل. أعتقد أن ما ينقص الإعلام الجزائري هو مزيد من الجدية في الحرص على توخي المهنية ومحاربة الأخطاء بكل أشكالها، ثم الحرص على تكوين وتدريب الصحفيين، ولايجب أن نعتبر ذلك عبئا ماليا، بل هو استثمار يعود بالفائدة على المؤسسة الإعلامية، وأن ما يُستثمر من أموال سيخلق جيلا جديدا ومتمكنا من الصحفيين يعفينا من الأخطاء التي تسيء كثيرا لسمعة الإعلام والإعلاميين في الجزائر . * *ماهو تقييمكم لتجربة "الحوار" اليوم، وما تقدمه للقارئ الجزائري؟ – كل مولود إعلامي جديد هو إضافة للإعلام الجزائري، التنوع في الطرح والتنوع في التغطية وطريقة إيصال المعلومة هو ضرورة بالنسبة للإعلام، وهو أمر يصب فيما نسميه الحرية الإعلامية والتنوع الإعلامي التي نبحث عنها. الجزائر بلد كبير ويستحق إعلاما مميزا، الجزائر بلد فيه خزان من المواهب والأقلام التي تبحث عن مساحة لإفراغ شحنتها من الأفكار، ولذلك من الضروري أن يتاح المجال للجميع للتعبير عن رأيه، الجزائر بلد كبير أيضا بمساحته، ومن الضروري أن نصل إلى أبعد نقطة لننقل اهتمامات القرّاء واهتمامات الناس البسطاء ونسمع أصوات من لا صوت لهم، أنا أعرف مدير الجريدة، السيد محمد يعقوبي، وهو ليس نكرة في المجال الإعلامي الجزائري، وبالتالي فما يقدمه هو إضافة للساحة الإعلامية، وأتمنى للجريدة الازدهار والتطور، وأن تكون أيضا مجالا لتعليم وتكوين جيل جديد من الصحفيين، وأتمنى له ولكل طاقم الجريدة التوفيق. حاورته: سهام حواس