بقلم الطيب توهامي سيناريست.. مخرج.. ومنتج سمعي بصري لا يمر يوم من شهر رمضان الفضيل إلا وتنفجر في وجوه المتابعين قنبلة من القنابل العنقودية الانشطارية المتعلقة بتفاهات الكاميرا الخفية في الجزائر. في الحلقة العشرين من برنامج الواعرة، يقدم طاقم الإنتاج على الاعتراف بفبركة المقالب مع الفنانين، معتبرا أن الهدف من البرنامج هو جعل الشعب هو ضحية الكاميرا الخفية وليس الفنانين، حتى يشعر هذا الشعب بالغبن الذي يتعرض له الفنان أثناء القيام بهذه المقالب. واو.. إنجاز عظيم.. مقالب يومية لأربعين مليون نسمة، لم يسلم من هذه المقالب لا الشيخ ولا العجوز ولا الطفل ولا حتى الجنين في بطن أمه. لست من هواة الكتابات الساخرة، ولا أعشق تلك الكتابات، وأحب دائما أن أكون منصفا ومتوازنا في نقدي للأعمال التلفزيونية، غير أن طبيعة الموضوع هذه المرة أحالتني عنوة على النقد اللاذع، لتلك التفاهات التي تحتل وعي المشاهد الكريم يوميا، وتجرفه كالسيل العرم من انحطاط إلى انحطاط أشد. الواعرة، وبكل بلادة وقبح، تتحول إلى مقلب ضحيته كل المشاهدين. رب عذر أقبح من ذنب. اعترافات وقحة، ومن دون أدنى احترام لهذا المشاهد الذي بسببه يرتزق مثل هذا النوع من المنتجين المتطفلين على ميدان أكبر منهم ومن أفكارهم الرديئة. أفكار لا ترقى إلى أن يتضمنها بودكاست على قناة اليوتوب، مع كامل احترامي للشباب المبدع، في مثل هذا النوع من الأعمال السمعية البصرية. المسؤولية هنا ملقاة على المسؤولين في القنوات الذين يقيمون مضمون الحلقات، وعلى المعلنين الذين يدعمون هذه التفاهات بالمليارات.. لهؤلاء وأولئك نقول إنه تبذير وهدر للأموال، واستنزاف لطاقات الفنانين والتقنيين، في هكذا برامج تلفزيونية لا تسيء للقناة فحسب، بل تسيء لكل الجزائريين، خصوصا وأن هذه القنوات فضائية، والفضائح لم تعد فضائح محلية، بقدر ما أضحت فضائح عابرة للقارات. طيلة الشهر الفضيل، وفي أغلب القنوات الجزائرية، غزتنا تلك البرامج السخيفة من كل صوب وحدب، بعناوين سوقية لا محل لها من الإبداع، وبمضمون هزيل وأحداث مملة، تحمل في طياتها كما هائلا من الابتذال والتكلف والإسفاف. الواعرة كانت من تلك البرامج الغارقة في العنف والسوقية والرداءة، والمفاجأة الثقيلة جاءت لترفع الحرج عن المشرفين على البرنامج. بهذه الطلة "المتميزة" قهرتم منافسيكم من أصحاب برامج الكاميرا الخفية. أعطيتموهم درسا في أخلاقيات المهنة. ضربتموهم على رؤوسهم باحترافيتكم التي لا نظير لها. والله أصبحنا نأسف لما آل إليه وضع السمعي البصري في الجزائر، عندما أصبحت الأمور توكل لغير أهلها، وأصبح هؤلاء أساتذة ودعاة لغيرهم، وكلهم في العمى والبهتان يسبحون. لم أعتقد أنه سيأتي علينا يوم نجتر فيه البذاءة والانحطاط الفكري والإعلامي، وتتحول الرداءة إلى صناعة تصرف عليها الملايير. لهؤلاء المتطفلين أقول إن هناك العديد من الأنشطة التجارية المربحة، فادخلوها ودعوا عنكم ميدانا لا تفقهون فيه شيئا، لا من الناحية التقنية ولا من ناحية المضمون. خذوا ملياراتكم واستثمروها في قطاعات أخرى، فالفرص موجودة هنا وهناك، بإمكانكم خلق الثروة منها. ابتعدوا واتركوا هذا القطاع، فله أهله، وله محترفوه، وله صناعه. ابتعدوا دون رجعة. طلقوه بالثلاث وارحموه، وستكونون قد قدمتم خدمة جليلة لهذا المشاهد الذي مل منكم. مل من حركاتكم. مل من تعليقاتكم. مل من خرجاتكم المزيفة. مل من قبحكم الفني الذي نثرتموه طيلة أيام الشهر الفضيل. برنامج الواعرة، في اعتقادي، لا يجب تسميته بالجايحة، بعد كل هذه "الإنجازات الشعبية" التي قدمها، وبعد هذه الصحوة الأخلاقية التي غمرنا بها، وبعد هذا الإنصاف النبيل الذي تميز به. برنامج تحاملنا عليه ووصفناه بما لا يجب أن يوصف، فنحن من الحاقدين على النجاحات والإبداع، ونحن من الأشرار الذين نتصيد النقائص لنجعل من الحبة قبة. نحن هم الشعب الذي تعرض للمقالب بصبر وكبرياء، ولابد له من الصبر والصبر الجميل، فبرنامج الواعرة يعلمنا الصبر على المقالب، مثلما يعلمنا الشهر الفضيل الصبر على كل منغصات الحياة وشهواتها وإغراءاتها.. الرسالة وصلت، وبرنامج الواعرة ينتظركم في العام القادم باسم مختلف، وشكل مختلف، وليقو الله صبركم وإيمانكم.. وصح فطوركم.