بومدين اكتشفه.. بن بلة أنصفه وبوتفليقة كرمه رويشد.. فنان من طينة الكبار ترجم معاناة الشعب الجزائري في قالب كوميدي خلال حقبة طويلة امتدت من ثورة التحرير إلى أواخر التّسعينات، جمع فنّه بين خفة الرّوح والجدية في الأداء، أطلق عليه تارة لقب "آلكابون الجزائر"،"louis de finesse"، "فرنانديل" وحتى "شارلي شابلن"أو الممثل الذي يبكيك ويضحكك في آن واحد. كان من أقدر الفنانين على زرع الابتسامة وصنع صور حزينة في شخص واحد، عفويّته هي عنوان شخصيّته، طبعت أدواره الخالدة في "حسان طيرو"،حسان طاكسي"،"العفيون والعصا"، "الغولة" و"البوابون"،..ويكفي أن تذكر اسم "رويشد" أمام أحدهم حتى تنفرج أسارير وجهه، لما له من تأثير وسحر لا يختلف عليه أحد عبر الوطن. رويشد في عيون أبنائه: مصطفى: رويشد والدي وصديقي في الكتاب الذي ألفه نجله مصطفى عياد، والذي يحمل عنوان "رويشد والدي وصديقي"وصفه بالرجل القوي صعب المراس، المحترف والمهني الذي يهتم بأدق التفاصيل، ولا يقبل الخطأ، فقد فرض على نفسه الانضباط قبل أن يفرضه على غيره، أما على الصعيد العائلي فقد كان شخصا مختلفا تماما حساس جدا ومضحّي، تماما كالشمعة التي تحترق لتضيء لغيرها. * طفولة رويشد بين فكّي اليتم و"الميزيرية" عمل ماسح أحذية مقابل سنتيم ليعيل إخوته كشف مصطفى عياد لقراء "الحوار" جوانب خفية عن طفولة رويشد البائسة، حيث فقد والدته مبكرا في سن الطفولة وهجره والده رفقة أشقائه الأربعة ليعود إلى مسقط رأسه "آزفون" بتيزي وزو تاركا إياهم للفقر و"الميزيرية"..كانت أياما صعبة عاشها رويشد، اضطر خلالها للعمل في أي شيء وكل شيء، ورغم أنه لم يترك مقاعد الدراسة باكرا، إلا أنه امتهن أول عمل له كماسح للأحذية حاله حال أغلب أطفال العاصمة خلال الحقبة الاستعمارية، ومقابل سنتيم كان يتقاضاه لم يسلم الطفل رويشد من الإهانات والازدراء. وبعد رحلة الشقاء كان يقوم بجمع الفرانكات ليعطيها لشقيقته وكافلته فطومة. لكن ورغم العناء، لم تف تلك المهنة الكولونيالية المقيتة بالغرض، مما دفع برويشد إلى النّزول للميناء وامتهان العثالة كعمل إضافي فاشتغل "حمّال" ثم بائع خضار فبائع فول سوداني ،..وهكذا مرت طفولته البائسة بين اليتم والفقر إلى أن طرق باب الفن. * ليندة: أشكر الرئيس بوتفليقة على وسام الاستحقاق "عهيد" وأطالب بإنشاء جائزة "رويشد" أشكر جريدة "الحوار" على هذه الالتفاتة الطيبة لتخليد ذكرى فنان كبير كرويشد، رمز الثقافة والهوية الجزائرية،رمز الإبداع والفن الهادف، فنان ثائر محلل وصاحب رؤية نافذة ومجاهد". بهذه الكلمات افتتحت ليندة كلمتها عن والدها الفنان الكبير، وأضافت،"الجزائر، المسرح، السينما، الكتابة، الإخراج والأغنية كانت حبه وعشقه، قالت ليندة عياد "أتذكر جيدا خطواته ذهابا وإيابا من غرفته إلى الصالون عدة مرات في الليل للكتابة، فكلما خطرت له فكرة كان لا يفوتها، بل يستيقظ في عز الليل لتسجيلها،..كان يترجم معاناة الناس، يجسد كل الأدوار، المواطن، الأخصائي الاجتماعي والنفساني، وحتى السياسي، كان يتقمص كل هذه الأدوار بسلاسة متناهية، حتى في حياته عاش عدة صدمات في الحياة، لكنه عالجها بنفس الروح، كان قادرا على صناعة الفرح والابتسامة في أحلك الأوقات. كنا محظوظين أنا وشقيقي المتوفّي منير لأننا كنا قريبين منه كثيرا، كثيرا ما كنا نجسد معه الأدوار ونتقمص الشخصيات في البيت، رويشد الأب كان كريما وحنونا، كانا يضحكنا في البيت ويحب دخول المطبخ وإعداد أعواد الشواء لنا في جو كله مرح، لكنه في نفس الوقت كان حريصا على دراستنا. وأضافت "أستغل الفرصة لأقدم شكري وامتناني لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي كرمه بوسام الاستحقاق صف "عهيد" كما أطلب نزع اسم رويشد من قاعة سينما حسين داي المهجورة والمتصدعة لأنها لا تمثل شيئا من شخصه وفنه، وأدعو اليوم من منبر "الحوار" إلى خلق جائزة ّرويشد" هذا المشروع الذي شرع في تجسيده أصدقاؤه وعلى رأسهم فقيدة السينما فتيحة باربار، إلا أنه لم ير النور بعد". ____________________ * دور "الشاوش" ودرس بشطارزي انطلق رويشد متعطشا في عالم الفن بعد أن تم اكتشاف موهبته حينما كان بائعا للفول السوداني من طرف أحد أعضاء فرقة مسرحية قديمة تحت إشراف المخرج قيثارة، اقترح عليه دور مسرحي صغير ولاقى نجاحا كبيرا، انتقل بعدها رويشد باحثا عن فرصة أكبر في فرقة الفنان الكبير محي الدين بشطارزي، حيث اختير رويشد ضمن "كاستينغ"من 20 فنانا هاويا،وكان الدور الموكل إليه هو دور"الشّاوش" الذي ينادي على المواطنين عند القاضي، وهو دور لم يرض طموح رويشد، فانطلق يصول ويجول في المسرح خارجا عن النص، وقام بضرب ذبابة واقفة على أنف القاضي، مما أدى إلى انفجار القاعة ضحكا طال لعدة لحظات، لكن ما حدث أن المرحوم بشطارزي طرده بعد العرض قائلا له"الممثل المحترف هو الذي يضبط نفسه ويلتزم بالدور ولا يخرج عنه". لكن درس بشطارزي لم يؤثر فيه بقدر تصفيق الجمهور وأصوات الضحك التي انفجرت ضاحكة إلى درجة هزت المسرح الوطني،….وتلك كانت بداية الكوميديا في حياة رويشد. _______________________ * "حسان طيرو"..القصة التي زجّت برويشد في"سركاجي" ما لايعلمه الجمهور، وكشفه الفنان مصطفى عياد، أن فيلم "حسان طيرو" الذي أخرجه محمد لخضر حامينا وقام ببطولته رويشد، مقتبس عن قصة حقيقية عاش تفاصيلها فناننا رويشد إبان ثورة التحرير تماما كما صورها في السيناريو الذي كتبه بنفسه، فقد أخفى في بيته أحد أكبر مجاهدي العاصمة وصديقه الحميم أحمد بوزرينة، وبعدما شن الجنود الفرنسيون هجوما على البيت للتفتيش ألقي القبض على رويشد ليزج به خلف أسوار "سركاجي" لمدة تفوق السنتين، تعرض خلالها للتعذيب،..والغريب أن القليل فقط من الناس من يعرف القصة، بسبب أن رويشد لم يشأ الترويج لها لقناعته بأن ما فعله لا يعدو كونه واجبا نحو الوطن لا أكثر. يذكر أن "حسان طيرو" سبق وعرضت كمسرحية أخرجها مصطفى كاتب سنة 1964 وقام ببطولتها رويشد إلى جانب النجمة كلثوم ونورية قبل أن يقترح حامينا إخراجها كفيلم سينمائي. ___________________ مسرحية"الغولة" وإنصاف بن بلة كان رويشد فنانا متمردا وكاتب سيناريو يعمل حثيثا على كشف المستور، حتى بعد الاستقلال. وكانت"الغولة"من أهم المسرحيات التي عرّت واقع الستينات،حيث انتقد من خلالها سلوكيات بعض المجاهدين بعد الاستقلال متهما إياهم بالسرقة، ووصف سياسة البلاد آنذاك بالفاشلة، الأمر الذي لم يعجب "الأفلان" المتحكم في زمام كل شيء، والذي أمر بوقف عرض "الغولة"، مما دفع برويشد ومصطفى كاتب للذهاب إلى الرئيس بن بلة وتقديم شكوى، ورد عليهم بن بلة أنه ليس لديه علم بما حدث، فطلب مشاهدة المسرحية، والغريب أنها أعجبته فأعطاهم الضوء الأخضر لمواصلة العرض. يتبع.. روبورتاج:سامية حميش