تحتضن قاعة ''الموقار'' ابتداء من الغد وعلى مدار ثلاثة أيام، فعاليات دورة الفيلم السينمائي التي تنظم تكريما للراحل رويشد، الذي تبقى أفلامه علامة في تاريخ السينما الجزائرية... تنطلق الدورة بعرض فيلم ''حسان طيرو في الجبل'' الذي انتجته التلفزة الوطنية عام ,1978 وهو من اخراج موسى حداد، وعلى الرغم من تصويره لواقع حرب التحرير الأليمة، فإن الراحل رويشد وكعادته استطاع بخصوصيته الفكاهية أن يقدم صورة مختلفة عن هذا الواقع، حيث يصور رويشد حالة جزائري يلتحق بصفوف الثورة بالصدفة ليقف على الحياة في الجبل، حيث يوجد الفدائيون والمعارك الطاحنة، علما أن حياته في هذه الظروف لا تستمر كثيرا لأن الثورة كانت في أيامها الأخيرة... تظهر الصور الساخرة لحسان طيرو وهو يحاول اصطناع الشجاعة، أنه المسكين الذي تعود على الحياة الرغيدة السهلة ولم يألف حياة التقشف والفداء، والفيلم يكاد يكون امتدادا طبيعيا لرائعة ''حسان طيرو'' التي قدمها لخضر حامينة سنة .1967 وسيتم غدا عرض فيلم ''الأفيون والعصا'' لأحمد راشدي، الذي برع فيه الراحل رويشد في دور ''الحركي'' الذي باع قريته واستسلم لفرنسا مما جعله منبوذا... على غير عادته بدا رويشد في هذا الدور جديا، باعتبار مواقف هذه الشخصية الخائنة لا تحتمل المزاح أو الفكاهة، وبراعته في تقمص هذه الشخصية الدرامية تماما كما في الكوميديا، جعلت الكثير من الجمهور يمقته في هذا الدور ''النابغة'' وعلى رأسهم الراحل بومدين الذي لم يكن يحتمل طلة رويشد في هذا الدور من فرط اتقانه تقديم هذه الشخصية. الاختتام يكون يوم1 فيفري بعرض فيلم ''حسان نية'' للمخرج الغوتي بن ددوش، الذي ينتقل فيه رويشد إلى أداء شخصية مختلفة بنفس بصمته الفكاهية تعكس السذاجة وحسن النية التي يتمتع بها الجزائري البسيط مما يوقعه في المقالب المرة تلو المرة، لكن حب الناس له وصفاء سريرته يمكنانه من الوصول دوما إلى بر السلامة. وسيتمكن الجمهور العاصمي من اعادة اكتشاف والتمتع بهذا الإرث السينمائي الذي برزت فيه شخصية رويشد لتظل حية مهما توالت الأجيال. يبقى رويشد الممثل والمسرحي المصنوع من طينة الكبار والذي عاصر ألمع رواد الحركة المسرحية كرشيد القسنطيني الذي استمد اسم رويشد منه (تصغيرا لرشيد) وسيد علي فرنانديل ومحمد التوري ومصطفى كاتب وحسن الحسني وعبد الرحمن عزيز وبشطارزي وغيرهم. اسمه الحقيقي أحمد عياد، مولود بالقصبة سنة 1921 من أسرة متواضعة، التحق بمدرسة ''الفتح'' الابتدائية بسوسطارة وسرعان ما انقطع عن الدراسة في سن 13 من عمره كغيره من أبناء الجزائريين ليمتهن عدة حرف منها بائع خضر وفواكه دهان ليكسب قوت عائلته. بعصاميته دخل مجال المسرح، إلى أن اكتشفه الراحل محمود اسطنبولي رجل المسرح المعروف، مكتشفا قدراته المذهلة، مما أهل رويشد لخوض أول تجربة مسرحية عنوانها ''استرجع يا عاصي'' لعبد الحميد عبابسة، أدى فيها دورا بسيطا، إلا أن الجمهور آنذاك ارتبط برويشد رغم ذلك، خاصة في مشهد ضرب فيه رأس القاضي، وهي دلالة على سخط الجزائريين على قضاة الإدارة الاستعمارية. بعدها التحق رويشد بالعديد من الفرق المسرحية كفرقة بشطارزي، وفرقة محمد غازي الذي شارك معه في ''الغبي ومغامرات بوزيد ليميغري''. عندما تم غلق دار الأوبرا من طرف الإدارة الفرنسية، اتجه رويشد إلى السكاتشات والتمثيليات بالإذاعة مع الراحل محمد التوري وسيد علي فيرنانديل، وبعد الاستقلال انضم رويشد إلى فرقة المسرح الوطني وأدى عدة أعمال، كما برع في السينما من خلال ''حسان طيرو'' ,1967 و''حسان نية'' عام 1989 و''الظل الأبيض'' ,1991 وانجز العديد من المسرحيات منها ''الغولة'' ، و''البوابون''، هذه الأخيرة ذات 11 لوحة هزلية المعالجة للآفات الاجتماعية في قالب كوميدي، شاركته فيها الراحلة كلثوم، نورية، سيساني، يحيى بن مبروك، كويرات وغيرهم... توفى الراحل في 28 جانفي 1999 بالعاصمة عن عمر ناهز ال76 سنة، تاركا فراغا رهيبا في الساحة الفنية لم يجرؤ أحد بعده على ملئه. للتذكير، بادرت جمعية أصدقاء رويشد وبماسبة نفس الذكرى، بعرض مسرحية ''بدون عنوان'' على ركح المسرح الجهوي بعنابة، وقد أشار الفنانان صونيا ومصطفى عياد (ابن الراحل)، إلى أن العرض كان أفضل تكريم لرويشد المعروف بالفنان المتكامل، حيث أدى المسرح والرقص والغناء والعزف بمهارة عالية، وعرف بعفويته المتميزة المعبرة عن الجانب الإنساني في المجتمع الجزائري.