لم يكن يدري يوسف الشاب الناشط في المجال الخيري أن الفيديو الإنساني الذي نادى وبكى فيه من أجل أسرة معوزة في اليوم الأول من شهر رمضان، سيتفاعل معه الآلاف وستتداوله العديد من الصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صاحب الفيديو هو يوسف بن أحمد من ولاية الجلفة فتح لنا قلبه في حوار صريح جدا هذا نصه. * في البداية نريد أن نعرف من هو يوسف صاحب الفيديو المؤثر ؟ – يوسف بن أحمد 25 سنة طالب جامعي تخصص قانون خاص من ولاية الجلفة ناشط في المجال الخيري، واحد من أعضاء مجموعة خيرية اسمها شباب الكرامة المتطوعة والبعيدة عن أي أهداف سياسية أو انتماء حزبي، بدأ نشاطنا كمجموعة خيرية منذ حوالي العامين.
* حقق الفيديو الذي نشرته نسبة متابعة كبيرة جدا خلال ساعات فقط من نشره في أول يوم من الشهر الفضيل، أخبرنا عن خلفياته؟ – حقق الفيديو بعدما نشرته على صفحتي عبر الفضاء الأزرق ما يقارب 130 ألف مشاهدة وتفاعل معه الآلاف بالإعجاب والتعليق وإعادة نشره، وهناك صفحات وطنية قامت أيضا بنشره مما رفع من نسبة المتابعة التي وصلت إلى المليون مشاهدة، الفيديو كان محتواه إنسانيا في إطار حملة قفة رمضان التي أطلقنا عليها اسم قفة "الكرامة 1″، وتتضمن القفة جميع المواد الغذائية انطلاقا من الضروريات وصولا الى الكماليات كذلك على اللحوم البيضاء والحمراء، حيث قمنا بتوفير 100 قفة في المرة الأولى وفي المرة الثانية وصلنا الى جمع 120 قفة. وخلال قيامنا بذلك لصالح العائلات المعوزة وجدنا الحالة الإنسانية التي أظهرتها في الفيديو، الحقيقة اننا وجدنا الكثير من الحالات المشابهة لها، لكننا اخترنا هذه الحالة بالذات لما تعانيه من فقر مُدقع لا يمكن تصوره، هي أسرة تتكون من 6 أفراد، يتقاسمون غرفة صغيرة واحدة ضمن ما يعرف بالبناء الفوضوي، رب الاسرة لم يستفد لا من السكن ولا من قفة رمضان التي توفرها دار البلدية لهذا الموسم، يعني أبسط الحقوق لم تستفد منها هذه الأسرة، ما أثر فينا اكثر أن الغرفة التي تجمعهم هي نفس الغرفة التي ينامون ويأكلون ويغيرون ملابسهم فيها، يفتقدون لأبسط شروط الحياة، ولما دخلنا إليها لإيصال الأمانة، طلب منا الأب التصوير ونشر حالته وتم ذلك برغبة منه.
* وهل جاء الفيديو بنتيجة ملموسة ؟ – تلقينا تفاعلا كبيرا بخصوص هذه الحالة على مستوى التراب الوطني، وحتى خارجه، حيث اتصل بي أشخاص من تركيا وكندا وفرنسا ومن بريطانيا وروسيا بعد نشر الفيديو، هؤلاء أبدوا رغبتهم في المساعدة بالمال وحين أقدموا على ذلك وجدوا صعوبات في تحويل المال إلى الجزائر، أما في بلادنا فقد ساهم البعض بمبالغ مالية بسيطة حسب قدرتهم، في حين لم يحرك الفيديو مشاعر الأثرياء ورجال الأعمال.
* ما الجديد بخصوص هذه الحالة الإنسانية ؟ – في الحقيقة كنا بصدد القيام بحملة كبيرة لجمع المال وشراء سكن مناسب لهم، لكن بعد أن اتصل بنا عدة مسؤولين وعلى رأسهم رئيس المجلس الشعبي الولائي للجلفة وطلب منا تقديم ملف هذه الأسرة وبعد الاطلاع عليه، وعدنا بتوفير مسكن لهم خلال توزيع السكنات في المرحلة القادمة، أما المبلغ الذي جمعناه فقد قمنا بتقديمه لهذه الأسرة كي تستعين به لتوفير حاجياتها خلال الشهر الفضيل.
* ألا تعتقد أن تهجمك على المسؤولين وانتقادك لهم عبر الفيديو زاد من تعنتهم في مساعدة العائلات المعوزة؟ – أنا قلت بالحرف الواحد إن الدولة وفرت جميع الإمكانات للعائلات المعوزة وأقصد بكلامي المسؤولين، لكن المسألة تتعلق ببعض الانتهازيين الذين يعيقون الطريق لوصول المساعدات لهم، أبسط مثال قفة رمضان والتي يمكننا قياسها بأمور أخرى، هناك بعض الأشخاص يتقدمون الى جمعيتنا للاستفادة من قفة رمضان وبعد أن نقوم بالتحقيق لمعرفة حقيقة وضعيتهم وظروفهم الاجتماعية وذلك بالتنسيق مع مراكز الضمان الاجتماعي، نتفاجأ أن البعض منهم حالتهم الاجتماعية جيدة ولديهم راتب شهري ومع ذلك يلجؤون إلينا على أساس أنهم معدمون ومحتاجون.
* ألهذه الدرجة؟ – وأكثر..أذكر مرة جاءتنا سيدة ادعت انها أرملة وليس لها مدخول ومن خلال حديثي إليها وطرحي عليها العديد من الأسئلة اكتشفت أنها موظفة وراتبها يصل إلى 40 ألف دينار جزائري، للأسف بعض المحتاجين لم تصلهم أمانات المحسنين بسبب الانتهازيين الذين يقطعون الطريق أمام المحتاجين، يراوغون الدولة بطريقة أو باخرى ويستفيدون من كل هذا بدل الشخص المحتاج بعبارة اخرى "نحاوها على فم الزوالي".. اما رجال الاعمال فقد تكلمت عنهم من خلال الفيديو لأن اعمالهم الخيرية على مستوى ولاية الجلفة تكاد تكون شبه منعدمة عكس الولايات الاخرى بالشرق، حيث نجد رجال الاعمال ينشطون طوال السنة في المساهمات الخيرية خاصة في رمضان، بتوفير شاحنات من المستلزمات للعائلات المعوزة.
* كلامك هذا سيزعج رجال الأعمال بولاية الجلفة وقد يزيد من تعنتهم.. – أنا مسؤول عن كلامي..وأقولها بالحرف الواحد ما قمنا بجمعه من هبات كانت من طرف الإنسان البسيط، ولا رجل أعمال ساهم لا معنا ولا مع جمعيات او مجموعات خيرية أخرى، مائة بالمائة من المساهمات والمساعدات كانت من طرف المواطن البسيط والموظف العادي، لم نتلق أي تفاعل خيري من أصحاب المال والأعمال.
* حدثنا عن نشاطاتكم في مجال الأعمال الخيرية؟ – نشاطاتنا متنوعة تتزامن مع كل المواسم، مثلا مع بداية الموسم الدراسي قمنا بمبادرة توزيع المحافظ والمآزر، ثم قمنا بحملات تنظيف وحملة التشجير خصصنا بها الأحياء بالولاية، اطلقنا عليها اسم "اترك مكانك نظيفا" في كل مرة نقوم بتنظيف حي ما نقوم بغرس الاشجار فيه، ودامت هذه الحملة حوالي أسبوعين، وانطلاقا من حملة التنظيف وجدنا كتبا مدرسية ملقاة في النفايات فقمنا باطلاق حملة اخرى تحت شعار "لا ترمي كتبك"، طلبنا ممن يرمون كتبهم ان يكفّوا عن ذلك ويقدمونها لنا لنوزعها على التلاميذ المحتاجين، وبالفعل كان هناك تفاعلا كبيرا على مستوى ولاية الجلفة كلها واحضر لنا المواطنون مجموعة كبيرة من الكتب قمنا بترميمها وتوزيعها على هؤلاء التلاميذ، كما قمنا بحملات اخرى لجمع الادوية وتكفلنا بعلاج المرضى الذين تقل تكلفة علاجهم عن 10 ملايين سنتيم، كمثال العمليات الجراحية التي تكلف 7 ملايين سنتيم.
* كيف بدأت الفكرة؟ – بما أنني ناشط فايسبوكي منذ مدة طويلة ولديّ نسبة متابعة عالية ولديّ تأثير وتفاعل كبير من رواد التواصل الاجتماعي مع منشوراتي، اخترت أن أستغل هذه المتابعة وهذا التفاعل في الأعمال الخيرية، بمشاركة مجموعة من اصدقائي هم ايضا نشطاء عبر الفضاء الأزرق، وضعنا اليد في اليد وتطوعنا تحت غطاء جمعية المجد التي نحن أعضاء فيها. وأقولها دائما "الفيسبوك" له دور كبير وتأثير فعال في نشر الرسائل الاجتماعية لذلك علينا استغلاله في الإيجابيات.
* هل واجهتكم عراقيل من خلال مهامكم الخيرية ؟ – بعض النشطاء وبعض الجمعيات سامحهم الله انتقدوني وحاولوا توريطي اقول لهم، حين نتعرض للسب والانتقاد يزيدنا ذلك اصرارا على المضي قدما في مهامنا ويجعلنا ننزل الى الميدان بمبادرة جديدة واقوى.
* أتمنى أن تجيبنا بصراحة، هل فعلا لا تزال الدنيا بخير؟ – أولا، الخير موجود بالفطرة عند الجزائريين لكن ينقصه التحفيز والدفع، نحن في زمن فُقد فيه الصدق والثقة، الجميع بات يتردد في فعل الخير وسط مجتمع ظهر فيه الانتهازيون ومن يخدمون مصالحهم، لم يجد هؤلاء المحسنون الوسيط الجدير بالثقة الذي يثقون في أنه سيواصل فعلا مساعدتهم للمحتاج، ثانيا لا ننكر أنه وصلتنا العديد من التبرعات لكن الخير الذي لمسناه عند الناس البسطاء للأسف لم نلمسه عند الأغنياء، فعلا لا يشعر بحال الفقير إلا الفقير.
* كلمة أخيرة – أشكر يومية "الحوار" على اهتمامها بالجانب الخيري والذي لاحظناه عبر صفحاتها، واريد من خلالكم توجيه رسالة للمجتمع الجزائري ككل.. في هذه اللحظة التي نتحدث فيها هناك الكثير من البيوت والجدران التي تخفي وراءها مواطنين لم يجدوا قوتهم اليومي، وفي المقابل هناك عائلات تسرف وتبذر في تحضير طعام الإفطار، لتكون نهاية الجزء الأكبر منه في سلة النفايات، ناهيكم عن اطنان الخبز التي تلقى في المزابل بشكل يومي، لذا ادعوهم لان يتقاسموا طعامهم مع المحتاجين على الاقل في هذا الشهر الفضيل، حتى يخففون ولو القليل من معاناتهم، وجدنا الكثير من الفقراء في الأيام الأولى من رمضان يقتاتون من النفايات، فلما لا نقدم لهم من طعامنا ونحافظ على كرامتهم وصحتهم. حاورته: نجاة دودان