تحت ذريعة الأوضاع المادية الكثير من الشباب لا يحبذ فكرة الإنجاب مباشرة بعد الزواج، تحجّجا بالأوضاع المادية الصعبة نوعا ما، فيفضلون استقرار هذه الأخيرة والعمل على تحسينها بكل الطرق، من أجل أن يعيش الأطفال الذين سينجبونهم في جو على الأقل حسن، وكي لا ينقصهم شيء، أو قد يكون سبب رفضهم للإنجاب أسباب أخرى، ولكن هذه الفكرة لا تعجب النساء، ظنا منهن أن كل زوج لا يريد الإنجاب له غاية في نفسه. وهذا الاختلاف يؤدي إلى نشوب مشاكل وخلافات بين الزوجين تنغّص عليهم حياتهم وجوهم العائلي الجميل، وهما في أولى أيام حياتهما، ليس هذا فقط بل تؤدي هذه الخلافات في أحيان كثيرة إلى الانفصال في ظل غياب التفاهم الذي تقوم عليه كل حياة زوجية سعيدة، فلم لا يتفاهم الزوجان على كل كبيرة وصغيرة قبل الزواج؟ وإن حدث، فلم يتغيران بعده مباشرة؟ روبوتاج/ جميلة ميار تزوجت عن قصة حب عنيفة، دامت أربع سنوات، من الرجل الذي أحببته، ولكن المشكلة التي تعرضنا لهل هي عدم رغبته في الإنجاب، الأمر الذي زرع لدي الشكوك.. فلربما لم أمثل له الأم المثالية، ولكنه أكد لي أن غايته من عدم الإنجاب ليست أبدا تلك التي أفكر فيها، فهو لا يريد أن ينجب أطفالا ينقصهم ألف شيء من أجل العيش بسلام. وباعتبارنا عاملين كلانا قال بأنه بإمكاننا تحقيق بعض الأوضاع الجيدة قبل إنجاب الأولاد، ولكنني لم أقاوم فكرة عدم الحصول على الأمومة، فتعمدت ألا اشرب حبوب منع الحمل، وفعلا حصل الحمل. وبمجرد أن سمع زوجي حتى بدأ يصرخ في وجهي، متهما إياي بأنني لم أحترم قراره وفعلت ما أردت. ولم يكن لطيفا معي طيلة فترة الحمل، ولكنني حمدت الله. فبعد أن جاء "مروان" إلى الدنيا تغير تماما وسعد به، ولكنه كان يتضايق عندما لا يستطيع تلبية غرض معين، وراح يحذرني مرة أخرى من الإنجاب ثانية بقوله إن مروان يكفي حتى تستقر الأوضاع وننجب مرة أخرى، ولكن في هذه المرة، لم أكن أنا السبب، ففعلا قد حملت بالخطإ، فلم أكن أنوي أن أنجب ثانية للظروف المادية أولا ولأن مروان لم يتعد الثانية من العمر، ثانيا الأمر الذي سيجعلني أعاني أثناء تربيتهما، ولكن مفاجأتي كانت كبيرة، فعندما سمع زوجي بالنبأ طلقني مباشرة، وأعادني إلى بيت أهلي.. ورغم توسلاتي، إلا أنه اتهمني بالأنانية وبأنني أفسد مخططاته في العيش بشكل جيد. فقد كان لديه مشروع فتح محل، ولكن مصاريف الأولاد ستعيقه، ورغم محاولات أهلي وأهله لإرجاعنا إلا أنه لا يزال عنيدا، وأنا في منزل أهلي منذ قرابة خمسة أشهر، وأمضيت فترة حملي في ظروف صعبة، وأنتظر إلى اليوم أن يرجعني إلى بيتي، رغم أنني لست متأكدة. نادية: لا شيء يعوّض هبة الأطفال تزوجت بطريقة تقليدية، معتقدة أنها الطريقة الوحيدة التي تضمن احترام الرجل، ولكن لم أكن أعلم بأن الرجل شخص غامض، لا يحكمه أي شيء، وذهنيته صعبة المراس.. فقد طلب مني تكرارا ألا أنجب في الوقت الحالي، حتى ننتقل من بيت أهله إلى بيت الزوجية المستقل. قبلت بفكرته، فقد شاطرته الرأي، فأنا أيضا كنت أرغب في حياة مستقلة، حيث يمكنني أن أقرر كل شيء فيه. ولكن بعد مرور سنتين، بدأ زوجي يتغير تجاهي، أو بالأحرى، أحسست بذلك. فهو كان يمضي النهار بطوله في الخارج، وعندما أسأله عن سبب تأخره، يقول بأنه يفعل المستحيل من أجل حياة أفضل، من أجل الأولاد، ومن أجلنا أنا وهو أيضا، ولكن أمي أزعجتني بالولد، وكذلك حماتي التي أصبحت تعيرني، فقررت الإنجاب وأوقفت حبوب منع الحمل. وفعلا، أنجبت توأمين "حسناء" و«شيماء"، ولكنهما لم تشفعا في غضب زوجي، الّذي راح يبتعد عني يوما بعد يوم، وقال بأنه لا يستطيع النظر في وجهي، لأنني لم أحترم قراراته، أعتقد أنه بالغ في الحكم علي، ولم يحترم مشاعري ولم يحترم غريزتي في أن أصبح أمّا، ونحن الآن نتعامل كالغرباء. ورغم ذلك، فأنا لست نادمة، فالأطفال من أهم الكنوز في الدنيا، وهم على ما أظن يفتحون أبواب الخير على والديهما، الأمر الذي لم يقبله زوجي، الذي كرس نفسه للعمل وجني المال على أحلى هدية من الله. نجود: لم يرغب بالإنجاب مني بسبب حبه الأول لم تجمعنا قصة حب مثل تلك التي تحدث في الأفلام، ولكنني أعجبت به في فترة الخطوبة وأحببه كثيرا، كيف لا وهو سيصبح زوجي، وكل ما أملكه في هذه الدنيا، ولكنه فاجأني برغبته في عدم الإنجاب، تحجّجا بالأوضاع المادية، ولكنني استغربت الأمر، فأنا لم أصادف رجلا يرفض الإنجاب، ولكنني قبلت، فماذا عساي أفعل؟ ولكن لم أشعر أبدا بحبه لي، فقد كنا بعيدين جدا، حتى الكلام بيننا كان قليلا، فأصبحت أعيش في وحدة قاتلة، فنصحتني أمي بإنجاب طفل، لكنني أخبرتها أن زوجي يرفض، عندئذ أخبرتني أن الطريقة الوحيدة لجعله يتغير هي طفل من صلبه، سيغير حياته، فانجرفت مع عواطفي وحملت، ولكنه عندما سمع الخبر ثارت ثائرته، وقال بأنه حذرني من الإنجاب مرارا وتكرارا.. وهنا، اعترف لي بأنه لم يكن يرغب بالزواج بي وأن والدته هي من أجبرته على ذلك بعد أن رفضت خطبة حبيبته التي زوجها أهلها هي الأخرى. وبعد هذا الاعتراف، شعرت بالألم يعتصر قلبي، وتحطمت كل أحلامي التي بنيتها من أجل عائلة سعيدة ومستقرة، ولكن القصة لم تنته، فزوجي عاد إلى حبيبته التي تطلقت.. فقد أخبرتني ابنة خالته بذلك، وعندما واجهته بالأمر، لم ينكر، وقال بأنها حبه الأول والأخير، ولن يتخلى عنها بسهولة، لا من أجلي ولا من أجل الطفل الذي في بطني. ومع هذه الصدمة، نقلت إلى المستشفى في حالة سيئة، فقدت على إثرها طفلي، الأمر الذي أصابني باكتئاب، فقررت العودة إلى أهلي وأنا أجر أذيال الخيبة. ورغم ذلك، لم أشأ أن تنخر كرامتي أكثر من ذلك. علي: النساء لا يتفهمن عقلية الرجال آه وألف آه من النساء.. فهن عديمات الإحساس، ولا يفكرن في مصاعب الحياة، وأن الرجل لا يمكنه دائما فهمهن، ذلك ما حدث معي، فمشكلتي مع زوجتي تكمن في أنني لم أرد الإنجاب مباشرة بعد الزواج، لأن الظروف الاجتماعية التي أعيشها سيئة، فأنا لم أتزوج إلا بعد أن أصبحت في الرابعة والثلاثين، وأفهمت زوجتي أن السبب مادي لا أكثر. وفعلا، في البداية قبلت، لكن بعد ستة أشهر من الزواج حملت. ورغم أن الأمر أزعجني، إلا أنني قبلت، فقضاء الله لا يمكن أن أرده أبدا، فذلك حرام، وقلت لها مجددا بأن هذا الطفل مسؤولياته كثيرة، لذلك يجب أن نعمل على تحقيقها بما نقدر عليه، ولكن ورغم معرفتها للظروف التي نمر بها، إلا أن طلباتها لم تكن تنتهي لها وللطفل. والأسوأ من ذلك عندما بلغ ابني سنة واحدة أخبرتني مجددا أنها حامل، الأمر الذي أزعجني وفعلا تشاجرت معها، ولكن ما العمل عندما لا تفهمك زوجتك، فنحن نعيش في منزل والديّ الضيق، نملك غرفة واحدة ضيقة جدا، فكيف يمكن العيش فيها مع وجود طفلين، فلربما لولا مصاريف الأولاد لكنت استطعت القيام بمشروع صغير، يفيدنا في المستقبل، ولكن لا أخفيكم أنني منزعج من هذا الوضع، فهو لا يطاق، كما أنني فقدت لغة الحوار مع زوجتي، خاصة أنها لا تفهمني أبدا ولا تفهم مشاكلي، ولكن بالمقابل طفلاي أغلى ما أملك، وكنت أرغب أن أقدم لهما كل شيء جميل، وألا ينقصهما شيء في هذه الحياة الصعبة. كيف يمكن تقنين الحياة على حساب الطبيعة؟ كما سبق الذكر، فإن الشباب كثيرا ما يرفضون فكرة إنجاب الأطفال بعد الزواج مباشرة، وكل واحد لغرض في نفسه، فالكثير يفضل الاستقرار المادي الذي يعمل عليه من أجل حياة مستقرة نوعا ما، ولا يمكن تغطية الشمس بالغربال، فإن الرجل الذي يرفض الأولاد منذ البداية، فإن في ذلك مشكلة ما بداخله.. والحكايات مختلفة وكثيرة في مجتمعنا الجزائري، وعندما يفرض هذا الرجل هذه الذهنية، فإنه يجب أن يدرك أنه من غير الممكن أن تتفهم المرأة هذا القرار، الذي يقوم باتخاذه بنفسه، لأنه لا يسألها إن كانت هي تقبل أم ترفض، وإنما يكتفي بفرض قراره وما عليها سوى القبول به دون مناقشته، خاصة أن الكثيرات ممنوعات من الإنجاب لفترة طويلة، قد تكون لسنوات، ولن يأتي أي طفل إلى الوجود إلا بأمره، وإن حدث أن حملت زوجته عن قصد أو غير قصد، فهي ستتلقى الشتائم وكل أنواع الكلام السيئ، وكأن الطفل الذي تحمله شيء مادي لا قيمة له عنده، فهو لا يولد لديه أي شعور. ولكن، ما نريد الوصول إليه: لماذا يحاول بعض الأزواج فرض قوانينهم الخاصة دون أخذ الاعتبار لمشاعر المرأة التي تشاطرهم الحياة بكل تفاصيلها؟ ولماذا يحدد حضور الطفل إلى الدنيا بالسلبيات؟ لماذا لا يعتبر فاتحة خير لهذه العائلة الصغيرة ويمكن من خلاله رسم أفق جديد للحياة العائلية. ولكن من جهة أخرى، لا يمكن إنكار أنه ورغم رفض بعض الأزواج للإنجاب لفترة معينة وإن خالفتهم زوجاتهم، فهم لا يرفضون نعمة الله، فالأولاد حقا نعمة من الله تعالى، ولكن المحير، أن هناك بعض النساء لا يرغبن في الإنجاب حتى يحقق لها زوجها مطلبها. المال مقابل الأولاد قصة مختلفة نوعا ما. فهذه المرة الزوجة هي التي ترفض الإنجاب، فحسب رأي لامية، فإنها لن تنجب حتى يحقق لها زوجها استقرارا ماديا، فهي لا تريد إنجاب أطفال ليعانوا مثلما عانت هي في طفولتها، ورغم إصرار زوجها على الحصول على الأطفال، إلا أنها أفهمته أنها لن تنجب ولو طفلا حتى يضمن لها الظروف المادية الملائمة، خاصة وأنها تعيش في منزل أهله، حيث تشاطرها المسكن حماتها، أخت زوجها، وكذلك أخو زوجها، المتزوج هو الآخر ولديه أربعة أطفال، وهم يعيشون في ظروف سيئة.. فلم ترغب لامية أن ترى أولادها يعيشون في نفس الظروف. وتضيف أنها ليست أنانية فهي تتوق إلى أن تصبح أمّا، ولكنها لا تريد أن تظلمهم بل تريد أن يعيشوا بطريقة جيدة، حتى تكون النتائج إيجابية، من حيث التربية، فالوالدان هما المسؤولان عن تربيتهما فيكبرون حسب ذهنياتهما، بالإضافة إلى النتائج الإيجابية التي تتعلق بالدراسة والنجاح العملي والنمو في جو مستقر وهادئ.. وتضيف أنه بالرغم من أن زوجها يريد الإنجاب حالا، إلا أنه تفهم رغبتها، لأنها الصواب في رأيه، وهو يفعل المستحيل للحصول على الاستقرار المادي المنشود. نفسانيون: أهم سبب في هذه المشكلة هو عدم اقتناع الزوج بشريكته السبب الأول، الذي يتحجّج به الأزواج من أجل عدم الإنجاب، هو أن الظروف المادية هي السبب، خاصة أن بلدنا صعب العيش فيه في ظل ظروف مماثلة، ولكن لا يجب أن نحدد هذا السبب فقط، فهناك أسباب أخرى تكمن في الرجل في حد ذاته، والسبب الذي نود البوح به، أن الرجل الذي يطلب من زوجته عدم الإنجاب مباشرة بعد الزواج هو رجل ينتابه الشك نوعا ما، ويخاف من هذه الخطوة، كما أنه رجل غير مقتنع تماما بأن هذه الزوجة ستكون الأم المثالية التي ستربي أولاده في المستقبل، وغالبا هذا الشعور ينتاب الأزواج الذين لم يقوموا باختيار العروس بأنفسهم بل من قبل أوليائهم. وهذه من مشاكل هذا النوع من الزواج، وإذا لم تقم هذه الزوجة بتنفيذ هذه الأوامر، ستزداد الهوة بينهما وتتسع الفجوة، وينتهي الحوار وتبنى الحواجز والكثير ينفصلون لهذا السبب. ورغم أنه تافه، إلا أنه فعل الكثير من أجل هدم عائلة في بداية مشوار بنائها. المال والبنون زينة الحياة الدنيا في الدين الإسلامي، الزواج نصف الدين. فبه يتحقق الإنجاب الذي سيحقق الأكثرية للمسلمين على خلفية "إنني مفاخر بكم يوم القيامة"، فلا يمكن لأي زوج منع زوجته من الإنجاب، وإن اتفقا على فترة معينة فلا بأس بذلك، ولكن لا يمكنه فرض رأيه عليها، فهي من حقها الشعور بالأمومة، فهي تتزوج لهذا الغرض رغم حبها لزوجها، لأن الأمومة غريزة يزرعها الله فيها، وهي تحن إليها حتى قبل أن تتزوج، ولا أفضل من المال والبنون، فهما زينة الحياة الدنيا، وإن اختار البعض بينهما فسيختارون الأبناء.