الكاتب والسياسي الأمريكي ''واشنطن ايرفينجWashington Irving ''، من مواليد نيويورك في 03 افريل عام1783م ،عمل وزيرا مفوضا للولايات المتحدةالأمريكية في مدريد بين أعوام: (18421846)، ولما توفر له من اطلاع على آثار الثقافة الإسلامية ، اهتم بالبحث عن سر شخصية رائعة،لا مثيل لها حسب تعبيره وهي شخصية نبي الإسلام محمد- صلى الله عليه وسلم-. كان'' ايرفينغ'' يهدف إلى دراسة الوجود الإسلامي في أسبانيا الإسلامية، وآثارها على الثقافة الاسبانية. و بناء على طلب من صديق له أعطى ''ايرفينغ'' أول الأمر صورة عن النبي ثم قام بتنقيحها بعد سنوات، مرة أخرى بناء على طلب من صديق أخر ، تم إضافة ''أصل الإيمان والإسلام''وأن يدرس مواد العقيدة الإسلامية والدينية اليومية في ممارسات المسلمين. وإن كان ''ايرفينغ'' يهدف إلى ا نتاج للفكر التنويري والتعليمي، ولا يهدف إلى رفض أهداف ومعتقدات محمد. على سبيل المثال ، وحول معجزات ''محمد'' صلى الله عليه وسلم نجد أن ''ايرفينغ'' نفسه يشير إلى أن محمد قال عنها:إن هي إلا معجزة القرآن. وقد وصلت محبة هذا الرجل لنبي الإنسانية إلى مرحلة عالية من الولع والتقدير، فكتب عنه، وتحدث عن صفاته وما يتمتع به من خصال وسجايا، قائلاً في وصفه: ''عظيم الذكاء، قوي الذاكرة، سريع البديهة ،وعن أميته يقول: ''إنها كانت إحدى دلائل معجزة النبوة عند هذا الرجل الأمين الصادق، الذي خلقته السماء للمهمة المقدسة... كان رحيما، صبورا، كريما، عادلا، منصفا، صلبا لا يلين، لا يغتر ولا يستبد ولا يهين.. ''. وأما عن كيفية الاقتناع برسالة الإسلام، ومعارضتها، فقد كتب (ايرفينج) يقول: ''كانت شدة معارضيه هي أقوى المشاكل التي واجهها (محمد)، ولكن سرعان ما التف حوله عدد من المؤمنين به، من الذين عرفوه منذ طفولته، وحتى أيام شبابه وعايشوه وهو يشترك معهم في الحياة العامة، وخالطوه وكانوا من اشد المعجبين بأخلاقه العظيمة وصدقه وأمانته، وقيادته للأمة الإسلامية، وخاصة في بداية الدعوة، يوم كان أتباعه أقلية العدد لا تملك المال ولا السلاح، لكنها تتسلح بالإيمان الذي يطفح في القلوب''. وأطنب- واشنطن ايرفينج- في حصر ما يعزز رأي وإبراز مبادئ الإسلام حسب ما تيسر له من معرفة فيقول: كان نبي الإسلام- (محمد)- يحارب من أجل العقيدة، لا من اجل مصلحة شخصية، ''والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر ما تركته حتى أتمه أو اهلك دونه'' ولم يترك الدعوة وليهلك الشرك.. هو (محمد).. نبي المستضعفين فهو كما وصف نفسه ابن امرأة كانت تأكل القديد، وانه نبي.. جاء'' ليتمم مكارم الأخلاق''. قد يتساءل البعض عن أسباب استحضار هذه الشخصية وفي هذا الوقت بالذات؟ وقد يستغرب بعضهم، لهذا الاهتمام، والحقيقة أن السبب واضح للعيان مفضوح، هو مرور قرنين على زمن الرجل ونير رؤيته، ومن المفروض أن تكون مثل هذه الظواهر درسا للساسة العرب لينهلوا من معين السيرة النبوية والقيم التي جاء بها ديننا الحنيف، وهم يرون إن الغرب أكثر اهتمام لثقافتنا وسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم والاهتمام بالشخصيات الإسلامية التاريخية ومراكز الأبحاث لديهم مليئة بذالك، بهذه المعاني. حتى إنهم انشئوا مراكز متخصصة في تفسير القران الكريم وفك شفراته ومعاني كلماته حرفا بحرف لمعرفتهم انه هناك ما هو مفيد لهم ولنظام حياتهم . أينا نحن من ذلك؟ يقول ''ابوزيد القرشي'' صاحب كتاب جمهرة العرب، حين تغني بمديح صفات الرسول الأعظم بقوله: '' جنح الظلام وثوب الليل مسبول حتى وضعت يميني لا أنازعه في كف ذي نقمات قيله القيل إنّ الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول''. وجاء بعده ابن خلدون المفكر العربي الأصل والنشأة الإسلامي العقيدة والثقافة شديد الاعتزاز بعروبته والغيرة على دينه شديد التوخي للموضوعية في علميته فتناول المسألة من باب رؤيته ومعيشته للأعراب ، وتحدث في الكتاب الأول من مقدمته، باب ''مشكلة العرب والحضارة'' وتحت عنوان:إن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسر ع إليها الخراب ،وفيها يشير إلى أن طبيعة العرب منافية للعمران ومناقضة له، كيلت حينها اتهامات للعلامة ووصف من قبل بالبربرية والشعوبية، واستغلها الغرب كأحد المبررات لاحتلال الوطن العربي، في غياب الفهم السليم لمعاني النقد الذاتي والاستفادة من التجارب في استغلال الأطر التراثية، بأسلوب،-حفظ المنقول، والاستفادة من المعقول. فما أروع أن نوقد شمعه تراثنا الحضاري الذي يحرك الوجدان ويحض على مكارم الخلق، الفراسة والفروسية والشهامة التي عرف بها أسلافنا منذ عهد رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاءت به رسالة الإسلام السمحاء، من قيم العزة و الإباء والشمم والكرم، لكن للأسف الشديد كل ذلك اختفى من قاموس ساستنا وصار نحو الاندثار بعد أن انقطع أو كاد حبل التواصل بيننا وبين تراثنا الزاخر بجميل المعاني،هذه الثروة التي استغلها غيرنا مرة أخرى وأهملها قادة الأمة،ولم يحثوا فيما فكر فيه ابن خلدون، الذي غادرنا منذ 6 قرون . إن ما يبرر انطباعنا هذا هو الأوضاع التي آلت إليها أمتنا، من التبعية للغير في كل شأن، والاستصغار لشان قدراتنا أمام كل وضع، وإهمال رصيد ثقافتنا في كل محفل.وصار البعض ضد البعض عوض أن يكون دعما له، لا اتفاق يجمعنا ولا توافق بيننا، لا تآزر في مواجهة ما تتعرض له أمتنا، ولا تظافر لجهود التحدي، والتصدي لأعداء.