كفنان تعاطى مع معضلة الشر والخير تحدث.... إن إحدى كبريات نكبات الفن هي عدم استطاعة المرء أن يكون متأكدا من جودة ما يفعل أبدا، ولذلك فإن المبدع ينتقل من أعلى درجات الرفعة إلى أسفل درجات الهبوط، فيبدو له كل ما فعله نفايات لا قيمة لها..'' الممسوسون بالإبداع يبصمون بالعشرة على ما قاله المفكر والروائي الشهير أرنستو ساباتو.. لا أحد من الفنانين ولا من المبدعين عامة لم يصب بهذا الإحساس، ولم يتعرض للتأرجح صعودا وهبوطا في مقياس الشهرة والصيت، وفي مقياس نظر الآخرين أو نظره هو شخصيا، على أن ذلك لا يعتبر مدعاة للإحباط أو التقليل من قيمة الذات المبدعة والاطمئنان كله، يحضر عندما نعلم أن كتابا كبارا مثل فلوبير ودوستويفسكي وكامو وغيرهم كثر تعرضوا لنكبات فنية.. ما يؤلم المبدع حقا والفنان حقا، افتقاده لتلك الوحدة القياسية المطلقة للحكم على ما يصنع ساباتو الذي انقلب على تخصصه العلمي والذري، وهو الدكتور في العلوم الفيزيائية والرياضية، مؤهل أكثر من غيره للبرهنة على أن القيم الجمالية لا يمكنها أن تكون مطلقة مهما بلغت عبقرية المبدع، حتى وإن تعلق الأمر بأعمال بيكاسو، مع أن حاجة الإنسان تظل على أشدها للفوز بالمطلق.. ساباتو من المنشغلين بالمطلق التواقين له.. لكنه هو أيضا ممن يؤمنون بأن الله هو المطلق بامتياز.. حدسه العاطفي يشعره أن تعذيب أي كائن بشري أو أي مخلوق حي عمل من أعمال الشر المطلق في خضم الوجدانيات، يتلهف ساباتو على المطلق.. ساباتو لا يتوقف عن إعلان كتابته التي لا تطاق، لأننا كما يقول لا تستطيع بأي حال من الأحوال تطبيق مفهوم موضوعية القيم المنطقية على القيم الوجدانية والجمالية.. ساباتو أيضا من المؤمنين بأن العمل الفني والفنان نفسه يتعرض لتقييمات مختلفة تبعا للمراحل الزمنية.. تعاقب الأجيال وتطور الذائقة وتحول المفاهيم الجمالية لها حكمها أيضا.. شهرة كامو مثلا في فرنسا عرفت صعودا وهبوطا أكثر من مرة.. بل وصلت في مرحلة من المراحل حد السخرية، لكنها عادت وصعدت إلى أعلى درجات التألق، ولازالت إلى اليوم محتفظة بذات الوهج والقيمة الأدبية .