أدهشتني آخر تقارير وإحصائيات المنظمات العربية الحكومية وغير الحكومية المتعلقة بنسب النمو الديمغرافي المتوقع والتغيرات المناخية وآثارها على البلدان الفقيرة، والبطالة، و... وغيرها من الأرقام التي صارت تخيفنا بالفعل، انطلاقا من فكرة أن كل شيء سيء آت لا محال ولو بسرعة ''الحلزون''، لكنه آت،.... ليفقر الشعوب العربية ويرمي بها إلى التهلكة والظلمات وكأن لا شيء إيجابي يبرق في الأفق. وصارت إحصائيات العاطلين عن العمل والجياع في العالم العربي تصلنا الواحدة تلو الأخرى...وتثير مخاوف شديدة لدينا. وعلى الرغم من أن الأخطاء ترتكب من قبل الكبار فإن الصغار هم من يحصدون نتائجها، وعلى الرغم كذلك من أن الجوع والعوز لا يعبران عن البطالة، فالذي يعبر عنها فقط هو غياب الأفكار، فإن الأجدر أن تقع المسؤولية على عاتق واضعي السياسات الاقتصادية بصورة مباشرة ورئيسية في العالم، وليس على الآخرين.... وحتى إن كان ارتفاع معدلات البطالة في العالم العربي لا يحتاج إلى أزمة اقتصادية عالمية أو إقليمية أو محلية، فإن وجود أزمة وهي موجودة الآن وبأبشع أشكالها سيرفع عدد العاطلين عن العمل إلى الضعف، ومستوى الفقر سيواصل النمو، و''جيوش'' الجياع قد تصل إلى مستويات عالية وغير متوقعة وهو الأسوأ... الحقيقة أن الأرقام ليست هي من تخيفنا، لكن المتسبب فيها هو الذي يخيفنا، غير أن آخر حصيلة تؤكد أن عدد جياع العالم يبلغ حاليا أكثر من 1,2 مليار جائع، ما يعني أن البطالة ليست فعلا حكرا على العرب وحدهم، كونها تسود اليوم حتى تلك الدول التي كانت بالأمس فقط لا تقهر، أما البلدان التي كانت تتباهى بأن العاطلين لديها هم فقط ''الأطفال الرضع'' و''المسنون''، فقط لحقتها ''اللعنة'' التي صنعها أقوياء العالم وبات شبح البحث عن سبيل ناجع للخروج من ورطة البطالة يلاحق حتى أضخم المؤسسات الاقتصادية في العالم أو كما يقول المثل هنا عندنا: ''ديرها بيديك، فكها بسنيك''، لأن البطالة تعد الوباء الوحيد الذي فشل العالم أجمع في التوصل إلى ''تحضير'' دواء شاف منه، لأن عواقبها تأتي على الأخضر واليابس ... لكن هذا لا يعني أن لا دخل للعالم العربي في ''بطالته'' المتعاظمة وفي تدهور أسواق العمل فيه، وفي غياب آليات التأهيل وإعادة التأهيل، لأن الواقع بات يوحي لنا أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق المعنيين المباشرين، ولا بديل عن التفكير الجدي والموضوعي لمواجهة مختلف اللعنات التي يتعرض لها عالمنا.