كنت أجبت ذات مرة على أحد المتسائلين عن سبب نفور وعزوف غالبية الجزائريين عن قراءة ولا أقول القراءة لكل ما يكتبه العقل الجزائري ، أجبت بالقول أن السبب يعود ربما إلى الرداءة اختصارا، وقد حز في نفسي يومها ذلك الرد على السؤال وأحسست بالذنب، سواء بخطأ إجابتي في حق تلك العقول وسوء تقديري لها وفي ذلك خطأ كبير، أو أكون قد أصبت وتكون فعلا جافة و القارئ الجزائري فيها الضحية نتيجة لاستهلاكه الرداءة ولا منبع صافيا نقيا يبلل من الظمأ، وفي كل الأحوال هناك ذنب لا يغتفر. اليوم وأنا اكتب هذا المقال، الذي أريد منه خلاله أن آتي بشيء مثالا- فيه دليل يدعم اعتقادي وإجابتي على صاحب السؤال، حيث أرى أن الرداءة هي سبب نفور القارئ لقراءة كل ما هو محلي، وبين يدي وربما بين يد القارئ وفي ذهن المشاهد الذي تابع برنامج زيارة خاصة التي يعدها الإعلامي سامي كليب ، استضاف فيها رئيس الوزراء الجزائري السابق عبد الحميد الإبراهيمي، والتي تناولت ''خفايا السياسة الجزائرية'' وكانت عبارة عن مقتطفات من مذكرات الرجل حسب ما فهمت من معد البرنامج، حين كان يردد ذلك وإلا ما كنت علمت حقيقة أنه هناك مذكرات للرجل ربما مخافة من''التسمم'' وفي كل الأحوال أنا أحذو حذو غيري، ولن اقرأ حرفا من حروفها وأجهد نظري لا فكري، فمصيرها مصير سابقاتها، وربما المعلومات التي تسربت من محتوى مذكرات الرجل خلال هذا البرنامج تكون قد قضت عليها في المهد، لان الجميع اكتشف فيها الرداءة من رائحتها وما جاء على اللسان الفصيح للرجل، رجل اجتهد بل وناضل في مسيرة طويلة أراد اليوم أن يسردها من خلال كتابته لهذه المذكرات، وهو لا يدري أنها ستكون القشة التي تقصم ظهر البعير، بما عكسته تصريحاته المتضاربة وشهاداته التي لا تستند إلى دليل أو حجة دامغة، فكانت بذلك عبارة عن اعتقاد وظن ليس كظني واعتقادي، لقد كانت نظرته ورؤاه كنظرة البعير الذي لا يرى سنامه، وأنا هنا لا أريد أن ابحث في تاريخ الرجل الذي قلنا إنه حافل ، فيكفي انه شارك في تحرير الجزائر بإرادة حرة وإيمان تام بالقضية . يومها تكاتفت الجهود وتكاثفت العزائم ومني العدو بالهزائم وتحررت الجزائر، لكن بالمقابل نحن نؤمن أيضا أن جميع الثورات تتخللها خلافات وهزات تصل حد التصفية، لذلك كان من البديهي أيضا أن تكن الضغائن والأحقاد فلا أظن أو اعتقد اعتقاد الرجل اتجاه رفاقه بل اجزم على انه هو أيضا يكون خرج عن المسار الثوري ابان الثورة أو المصلحة العليا للوطن بعد الاستقلال، ولو كان ذلك سهوا وأنا وغيري لا نلومه على ذلك والنفس الطماعة الأمارة بالسوء- لكن لا نفوت له عتابنا لم جاء في شهادته أو تصريحاته وإجاباته التي وردت في ذلك اللقاء لقناة الجزيرة من برنامج زيارة خاصة ، وهي الحلقة التي يمكن أن نسميها ''زيارة ناقصة'' ولا اعتقد أني أنا وحدي الذي تابع البرنامج بل جل الجزائريين ولا نتكلم على غيرهم فهم المعنيون وهم أهلها، و الأدرى بجبالها. لقد انتقد واتهم الجميع بالتقصير والخيانة من أيام التحضير للثورة إلى اندلاعها وما تخللها إلي يوم الاستقلال وما بعده وحتى اللحظة التي كان يجلس فيها أمامه الإعلامي سامي كليب مبتسما ولا ندري سبب ابتسامته-الإعلامي- غير المعهودة والذي ظل ينبه الرجل إلى أخطاءه في شهادته التي تفتقر إلى الدليل، حيث قال له وبصريح العبارة ''لو كنت مواطنا عاديا لا اصدق كلامك'' وكان يصف كلامه بالغريب، أما عن ظروف وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين فقد اتهم ما يسمى بجنرالات فرنسا بقتله وخص بالاسم عبد المجيد علاهم رئيس تشريفات الرئيس الذي وضع له السم ولم يؤكد ذلك وقال '' يظهر لي ذلك!!!!!! أي يظهر له أن عبد المجيد علاهم هو من وضع السم للرئيس. صراحة كان يمكن قطع البرنامج لو لم تكون هناك خانة أخرى يمكن أن يوضع ويصنف فيها البرنامج ،وهي كما أسلفنا الذكر ''زيارة ناقصة'' حيث استخلص منها الجميع كمية السكر في اللبان-!! ما دفع معد البرنامج الذي ظل طيلة حلقة البرنامج يحاول معالجة الأمور وتلميعها ،ليس لأجل إعطاء مصداقية لضيفه ''الحائر'' بل خوفا منه أن يغادره المشاهدون.. ضيف ''حائر'' تهجم على الجميع واتهم الجميع وظل يحاول عبثا تأكيد أقواله من خلال اعتقادات كتلك المتعلقة باغتيال بوبكر بلقايد، حيث قال أن إدريس البصري وزير الداخلية المغربي قاله له أنهم هم من قتلوه !! ونعم الشاهد!! وشهد شاهد من عدوها. هذه الشهادة أو القول ما كان يحتاج إلى تعليق أو تعقيب لكن الطريف أن معد البرنامج سامي كليب عقب عليه وقال له: من الطبيعي أن يتهم وزير داخلية مغربي ضباطا جزائريين بالاغتيال.. وأضاف: لو كنت مشاهدا اليوم وليس صحفيا أجري هذا الحوار سأقول انك تطلق الاتهامات هكذا لا دليل لديك، إنما هناك تحليل فقط ، وكذلك عن مقتل المغني معطوب الوناس قال أهله يقولون !!!! أي يقولون أن الجيش متورط في مقتله وان كان ذلك صحيحا فما الفائدة من ذلك غير إثارة الفتنة والقلاقل في الجهة الأخرى قتل ''الشاب حسني''!! ؟؟ الشيء أو الشهادة الأخرى التي ربما تكون السبب في مغادرة العديد من المشاهدين وعزوفهم عن متابعة البرنامج ، ما قاله عن تفجيرات باريس والتي قال عنها أن المخابرات الجزائرية وبإيعاز من جنرالات فرنسا هم من قاموا بتنفيذها، ومقاله جاك شيراك حينها للرئيس زروال في هذا الشأن أي بخصوص التفجيرات ،وكشف الضيف أيضا عن ذلك اللقاء الذي جمعه مع مسؤول رفيع المستوى من وزارة الدفاع الفرنسية ،بأحد مقاهي لندن وما قاله له بخصوص التفجيرات ومكالمة شيراك مع زروال ، وعاد وتدخل سامي كليب وقال لضيفه: ما الفائدة من قيام المخابرات الجزائرية بتفجيرات باريس؟ وهل المخابرات الفرنسية غبية لهذه الدرجة؟ ولا تكتشف أمرهم وهي من دستهم دسا-الجنرالات- كما تقول ، وأكثر من ذلك قال سامي كليب للرجل لم تقنعي بعد. خلاصة القول وحتى لا نجعل من ما قلناه في هذا المقال شيئا شبيها بما قاله الرجل ،أو شهادته التي جمعها من أقوال زاد عليها أقواله النابعة من اعتقاداته وربما أحقاده الشخصية ،وللرجل منا في الأخير تحية وتقدير لشخصه وماضيه أما ما جاء في شهادته وكتاباته فإننا نقدرها بعلامة اللا شيء، وبذلك تكون سببا من أسباب نفور القارئ من القراءة ، ودليل مادي ربما يدعم اعتقادنا وان كانت تلك شهادة رجل كبير بحجم رئيس وزراء سابق من طينة عائلة ثورية وذات علم وشأن عظيم، فان شهادة كاتب هذا المقال الذي لا شأن له غير -المنطق- الذي يحكم به ويتصور به الأشياء، تتلخص في التنبيه إلى شيء مهم لبعض الغافلين وربما المنساقين، الذين لا نعرف هل أنهم نسوا ذلك الموقف و الوقفة التي وقفها من شكك في وطنيتهم وإخلاصهم للوطن -الطابور الخامس -حسب زعمه يوم كانت فرنسا تحاول عبثا التدخل عسكريا وليس سياسيا فقط في الشأن الجزائري خلال العشرية الحمراء ولما فشلت كما فشلت في تلك المنازلة التاريخية، فمن الذي دحرها ؟ وراحت تثير القلاقل وتحشد العالم ضدنا بحجة اختراقات لحقوق الإنسان وغيرها، ولا اعتقد أن هناك من نسى ذلك ولم يكون وقتها في الساحة إلا من قيل وقال ويقال عنهم أنهم جنرالات فرنسا، فلماذا لم يسلموا الوديعة يومها يا رجل ويخونوا الأمانة؟ وكيف لفرنسا أن تتهم مؤخرا من تقول أنهم جنرالاتها في قضية ما يعرف برهبان ''تيبحيرين'' أو أن في ذلك لغز محير على غرار ذلك اللغز الذي كنا نتداوله في المدارس حين كنا نكتب جملة بدون وضع النقاط على الحروف كالآتي '' قيل قتل فيل قبل طلوع الفجر '' والغبي من لا يعرف الإجابة .