يتطرق الدكتور سعيد عيادي في آخر إصداراته ''آليات إعادة البناء الحضاري للإنسان والمجتمع'' الصادر عن دار المعاصرة للنشر والتوزيع، بالدراسة والتحليل إلى موضوع البناء الحضاري الذي مازال يثير محاكمات عقلية بين مدارس سوسيولوجية وفكرية معاصرة. زادت حدة المواقف الفكرية ومحتوى أطروحات الأطراف المتجاذبة حوله في ظل اتجاه النظام العالمي الجديد نحو القطب الواحد ومحاولة عولمة المعرفة بعد إزاحة الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية من محور الارتكاز في هذا النظام، في الوقت الذي يبقى العالمان العربي والإسلامي على هامش التاريخ الحضاري المعاصر، وتتواصل بذلك معاناتهما تحت شعار ثقل التأخر التاريخي والعجز عن امتلاك آليات البناء الحضاري باستمرار فقدانهما للشرطين المعرفي والإنساني. وحاول عيادي، من خلال الفصول السبعة لكتابه، فتح أبواب النقاش والحوار والمتابعة السوسيولوجية التحليلية بحثا عن تقاسيم الجغرافيا المعرفية المعاصرة والبديلة وكيفية طرحها وطرق التعامل معها، وكذا الاستقصاء في أسباب هذا الركود، حيث طرح عيادي في أول الفصول الذي جاء تحت عنوان ''الدين والصراع والبناء الحضاري''، مجموعة من التساؤلات كبداية لمعرفة أهم مرتكزات تفكير صاموئيل هنتنغتون ونظرته لواقع مجتمعه ولعالم المستقبل الحر في القريب، حيث جاء في مقدمة التساؤلات: هل فعلا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحت التهديد العقائدي والسياسي المحموم لنزعة اللاهوت الكاثوليكي التحرري في الأمريكيتين اللاتينية والجنوبية؟؟ وهل أن التقارب بين إدارة هذا البلد والفاتيكان تكفي لثني الكرادلة في هذه المنطقة عن قيادة وتحريك الحركة الاجتماعية التقدمية المشبعة بالأفكار الماركسية والمتعاطفة معها؟ ليتطرق قي الفصل الثاني ''السوسيولوجيا والبناء الحضاري' 'إلى أهمية التحليل السوسيولوجي التي تزداد حيوية مع تنامي اتجاهات التصادم على الصعيد العالمي، في الوقت الذي تحتدم النقاشات حول جدوى الشروع في مخططات البناء الحضاري التي ستكون محفوفة بالمخاطر وبمناوئة مخططة من قبل التحالفات العسكرية العالمية التي صارت أكثر ارتباطا بمشروع حروب صدام الحضارات. كما أن التدخل السيسيولوجي لا يقتصر على تناول مثل هذه القضايا فهو بتخصصاته المختلفة يساهم في بلورة مواقف تحليلية وبنائية للسياق الحالي لتوجيه كل العمليات البنائية وتقويمها وفق المراد الذي يسمح بتحقيق رفاهية أكثر للإنسان. ولان لكل تجربة علمية ظروفها التاريخية والفكرية القومية الذي يعطي لها خصائصها والطرق التي تتراكم فيها ، حاول العيادي في الفصل الثالث ''الحوض المعرفي للبناء الحضاري''، أن يحدد هذا الحوض . وتناولت الفصول الأربعة المتبقية ''الهزيمة الحضارية ''و''المغالبة الحضارية'' و''إعادة البناء الحضاري'' التي تتعلق بآليات البناء.